للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثرة، وأيضًا لذلك التقييد وجه آخر أدق وألطف وهو أن ترتب الجزاء على ذلك الشرط لا يتصور ما لم يقيده بذلك القيد فإن الأولاد إذا بلغوا حنثًا وكلفوا تكاليف الإسلام وماتوا بعد ما تحملوها فإنهم مبتلون بأحوالهم وأهوالهم فليسوا بمطلقين عن إسار الهموم (١) فأنى يتيسر لهم أن يكونوا حصنًا حصينًا لغيرهم وأما ثواب ما أصاب الوالدين بفوات الأولاد الكبار فغير منفي بالاتفاق على قدر صبر الأبوين وحزنهما فالنفي ههنا ليس إلا راجعًا إلى تلك الجهة الخاصة والوعد الموعود.

قوله [سمعت جدي أبا أمي] أي لم يكن جدًا صحيحًا لي، قوله [لن يصابوا (٢) بمثلي] دفع بذلك ما كان يتبادر إلى الذهن أن المؤمنين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتشرفوا بزيارته لم يصابوا به ولم يشجنوا فكيف يكون فرطً لهم فقال إن المؤمن وإن لم يظهر منه فيما يبدو للناس وله محبته بي إلا أن كل مؤمن ففي قلبه حصة من حب الله وحب رسوله قد غلبت عليه شهواته وعلاقاته الدنيوية فلا يكاد يظهر بمقابلتها ولا ينتفي بذلك الانغمار أصل وجوده وسيجيء لذلك زيادة تفصيل في قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه مع أن الحزن للذين لم يأتوا بعد أكثر فإنهم يتشرفوا منه بزورة أيضًا، وقوله أنا فرط لأنه معصوم أيضًا وفارغ عن تخليص نفسه فلا هم له غير أمته المرحومة كما لم يكن للولد الذي لم يبلغ الحنث إلا هم تخليص والديه.


(١) قال المجد الإسار ككتاب ما يشديه جمعه أسر وفي المجمع الإسار بالكسر مصدر أسرته أسرًا وإسارًا وهو أيضًا الحبل.
(٢) أي لن يصل مصيبة إلى أمتي بمثل مصيبة موتى فإنها أشد عليهم من سائر المصائب أما بالنسبة إلى من رآه فالمصيبة ظاهرة وأما بالإضافة إلى من بعده فالمصيبة العظمى والمحنة الكبرى حيث ما كان لهم إلا مرارة الفقد من غير حلاوة الوجد ولذا يموته صلى الله عليه وسلم يتسلى عن موت كل محبوب وفقد كل مطلوب فإن كل مصاب به عنه عوض ولا عوض عنه صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>