للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوهم أن ذلك الحظ الجسيم من الثواب كيف يحصل بالحقير من العمل فيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لعله أراد بكلامه الترغيب والمجاز لا حقيقته المفهومة منه بحسب الظاهر فلما سألهم وتشوقوا إليه أجاب بقوله إسباغ الوضوء إلخ أي إتمام فرائضه وسننه على المكاره أي مع مكاره النفس من يرد الماء وصرد الهواء وغير ذلك.

[وكثرة الخطأ] جمع خطوة إلى المساجد إما لبعده عنه أو لكثرة دوره إليه في الفرائض والنوافل والمراد بالانتظار انتظاره في مجلسه من المسجد بعد الصلاة لصلاة أخرى وإلى هذه الخصلة الثالثة أشار بقوله ((فذلكم الرباط (١))) وإن كان بمعنى ربط الخيول لكنه أريد به ههنا القيام على الثغور رابطي خيولهم وهذا على مراتب الجهاد وإن كان الجهاد كله خيرًا إذ المجاهد يجاهد ويقاتل في حين من الأحيان معلوم وسائر أوقاته فارغة تحصل له طمأنينة ولا كذلك المرابط فإنه لا يأمن أن يناله العدو في حين وذلك للصوق أرضهم وديارهم ووجه الشبه غير مختلف فإن المقيم في المسجد لانتظار الصلاة يجاهد نفسه الباعثة على الخروج من المسجد كل وقت والمحرضة على الاشتغال بأشغاله الدنيوية كل ساعة وممكن إرجاعه إلى الثلاثة جميعًا فأفهم وبالله التوفيق.

ثم المحو المذكور في الرواية محو عن كتاب الأعمال (٢) لا المحو عن اللوح المحفوظ فيمحى من كتب الأعمال التي تكتبه الملائكة ويمحى ما أثره منه في قلبه وعلى وجهه تراه الأرواح المطهرة والملائكة وإن لم نشاهده والمراد بالخطايا هي كل ما اقترفه من الصغائر والكبائر وحقوق الله، وأما حقوق العباد فيغتفر بالندم ما فيه من الذنب والإثم، وأما نفس حقه فلا يغتفر بنفس الندم والتوبة لما كانت هي الرجوع عما اكتسب فالتوبة من حقوق العباد إنما هو إيتاء حقوقهم


(١) وقال ابن العربي: أشار بذلك إلى تفسير قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية.
(٢) وبهذا جزم ابن العربي في العارضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>