للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الوضوء الموزون هو الذي (١) التصق بالعضو، فأما ما تقطر منه كان غسالة، ومما ينبغي أن يعلم أن الفرق بين المستحب (٢) والمكروه بمعنى ترك الأولى مما يعسر ويشتبه لما بين التعريفين من التشابه وصدق تعريف المستحب على كثير مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز مع أنها كانت أحرى أن لا تفعل، والتفصي عنه بأن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين إما أن يكون بعد العلم بكونه محظورًا أو فعله لئلا يعد محظورًا فهو على ترك الأولى وبيان الجواز، وإما أن يكون فعله تحصيلاً للمثوبة والحسنى وإنما كان تركه شفقة على الأمة وخوفًا من أن تتأكد السنية أو تصل إلى حد الوجوب فيتشققوا فهو مستحب فترك الفعل ههنا مع رغبته إليه بخلاف الأول فإن الترك ثمة مرغوب فيه والفعل لعارض البيان، وهذا التمييز موقوف على استقراء تام وتصفح وافر، ثم إن قوله ((الوضوء يوزن)) لفظ الحديث (٣) وكونه من قول الزهري وسعيد مما يحمل على ذلك لكونه مما لا يدرك بالرأي، وهذا الحديث دال على طهارة المستعمل من الماء.


(١) هذا هو الأوجه لما قال السيوطي أخرج تمام في فوائده وابن عساكر في تاريخه من طريق مقاتل بن حيان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا: من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال، انتهى، فالتقريب لا يتم إلا بأن يراد به الملتصق بالعضو لأنه لا دخل للمسح وعدمه في الساقط.
(٢) يعني أن تعريف المستحب وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرات وتركه أخرى يصدق على أفعاله التي فعلت مرة أو مرات لبيان الجواز فالفرق بينهما دقيق.
(٣) قال السيوطي رواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق الهندي بلفظ كل قطرة توزن وهذا الذي ذكره الزهري قد ورد مرفوعًا ثم ذكر حديث مقاتل ابن حبان المذكور قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>