للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول بالنسخ، وهو أن الكسب في قوله عليه السلام كسب الحجام خبيث ليس بمعنى المال المكتسب، وإنما هو المعنى المصدري المعبر عنه بالحرفة فكان المعنى أن هذه الحرفة دنيئة لتلطخ فيه الدماء لا باعتبار ما يحصل فيه من المال ولذلك لم ينه أبا طيبة عن الاشتغال بها لكونه عبدًا فكانت هذه الخباثة خباثة مقابلة بالنظافة واللطافة والشرافة لا خباثة تقابل الحلة والطهارة، والقرينة على ما قلنا قول ابن محيصة في حديث الباب فلم يزل يسأله ويستأذنه أفترى صحابيًا أو غيره من المسلمين يصر على الشارع عليه السلام في تحليل ما حرمه على أمته فلم يكن بد من أن يقال إن محيصة لما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الكسب المسئول عنه علم بقرائن خارجة موجودة ثمة أو بما سمعه منه قبل هذا أن نهيه عليه السلام عنه ليس إلا لأنه لا يناسب حالي وإن كان حلالاً حاصله فلما أصر عليه رخصه في شيء يسير منه بقدر ما يطعم رقيقه أو يعلفه ناضحه منعًا له عن الاشتغال بذلك لسائر اليوم إذ العادة أن المرء لا يأخذه سآمة عن تحصيل المال لنفسه ولأهله فلا يقنع بيسير ولا بكثير، وأما العبيد (١) والاماء وكذلك الدواب فلا يسعى لهم إلا بما يفتقرون إليه فحسب فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر أمره لو قلت ذلك يكون الترك فأمره بارتكابه بذلك الشرط لتلك الفائدة مع أنه لا يمكن أن يكون المال الحاصل بكسب الحجامة حلالاً للعبد حرامًا للمولى.

قوله [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور] إن كان المراد التنزه عن ثمنيهما فالأمر ظاهر وإن كان التحريم في الكلب والتنزيه في السنور فإرادة المعنيين معًا بلفظ واحد مشكل، والجواب أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنهما منفردًا كلاً منهما عن الآخر فكان أحدهما تنزيهًا والآخر تحريمًا، ثم لما رواهما الراوي أوردهما معًا للاشتراك في اللفظ لا غير مع أنه يصح على عموم المجاز بإرادة معنى أعم من


(١) حكى الشوكاني في النيل تحريم كسب الحجام عن بعض أصحاب الحديث وحكى القارئ في شرح الشمائل عن أحمد التفريق بين الحر والعبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>