للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا تجاربكم حتى لا تكونوا على غرة، وهذا معنى كونهما على سواء فإن هذا الفريق يعلم من عزم صاحبه ما يعلمه ذلك فكانا مساويين في العلم والحزم، [وقال الشافعي إلخ] عبارته ناظرة إلى سنية الدعوة واستحبابها بناء على ما شاع من أمر الإسلام وذاع فكأنه بنى على الظاهر وهو بلوغ الدعوة اياهم فلم يبق إلا الاستحباب ومع ذلك فلو تحقق أن قومًا لم تبلغهم الدعوة لا يجوز الشافعي أيضًا قتالهم قبل الدعوة، ومعنى قوله إلا أن يعجلوا أن الأعداء إذا سارعوا إلينا ولم يمهلونا حتى نبلغهم سقطت الدعوة، قوله [فإن لم يفعل] يعني أن الذي كان ينبغي له كان الأول وهو التبليغ، وأما لو لم يبلغ فما بلغهم من قبل يغني عن دعوته.

قوله [محمد] خبر متبدأ محذوف [وافق] فعل [محمد] فاعله [والله] قسم [الخميس] مفعوله والموافقة في الإتيان والمعنى أتى محمد معه قوله [أقام بعرصتهم ثلاثًا] ليحرز الغنائم وليكون الملك آمنًا ولكون القيام أهيب في عين العدو ودليلاً على استقرار أمره صلى الله عليه وسلم وتقرر مملكته، قوله [أعطيت جوامع الكلم] القرآن أو الحديث ونصرت بالرعب هذا الرعب مغاير (١) رعب السلاطين على رعاياهم كما يظهر بالرجوع إلى التواريخ.

[وجعلت لي الأرض مسجدًا (٢)] وكان الأمم الأولون لا يمكنهم الصلاة


(١) يؤيده ما في البخاري برواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، الحديث، قال الحافظ زاد أبو أمامة بقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد وقوله مسيرة شهر مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقًا وإنما جعل الغاية شهرًا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، انتهى.
(٢) قال الحافظ: أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التيمي قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وجعلت لغيري مسجدًا ولم تجعل له طهورًا لأن عيسى يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال، وسبقه إلى ذلك الدودي، وقيل إنما أبيح لهم فيما يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>