للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إدارة الأمر على رأي المبتلي به وذلك لأن علمائنا رحمهم الله تعالى لما شاهدوا في مذهب الإمام الذي قدمناه اختلاف أمر العوام لبون بعيد في آرائهم فمن منجس ماء البحر بإلقائه يده النجسة فيه ومن مجوز طهارة ماء الكوز إذا وقعت فيه قطرة من البول حددوا فيه حدودًا ينتظم بها أمرهم فمنهم من قدره بعشر في عشر وأصله على ما نقلوا أن محمدًا رحمهم الله تعالى سئل عن الماء الكثير فقال نحو مسجدي هذا فلما خرج ذرعوه فكان داخله ثمانيًا في ثمان وخارجه عشرًا في عشر فأخذوا بالمزيد احتياطًا ولعل محمدًا رحمه الله تعالى إن سئل عن الأقل من ذلك لأجاب بقوله نعم فإنه لم يرد بذلك تحديدًا بل تقريبًا ومنهم من قدر الكثير بقوله هو الغدير (١) العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر ثم اختلفوا فيما بينهم في التحريك المعتبر هل هو باليد أو بالتوضئ أو الاغتسال وإلى كل ذهب ذاهب ولا يذهب عليك أن التحرك المعتبر إنما هو التحرك الذي ينشأ في الجانب الآخر ويسري إليه معًا لا التحرك الناشئ بالتموج وتدريجًا وهذا القول الأخير يوافق رأي الشافعية في اعتبار الكثرة بالقلتين فقد ذكرنا أن الأستاذ العلامة جربه فكان كذلك فإنه مد الله ظلال جلاله وسقى الطلاب وإياي من نمير (٢) نواله أمر بحفر حفيرة فألقى فيها الماء مقدار قلتين ولم يتحرك أحد طرفيها بتحريك الطرف الآخر، وأما ما


(١) ذكره محمد في موطأه وعزاه إلى أبي حنيفة، وفي السعاية عن فتح القدير قال أبو حنيفة في ظاهر الرواية يعتبر أكبر رأي المبتلي به وعنه الاعتبار بالتحريك على ما هو مذكور في الكتاب أي الهداية بالاغتسال أو الوضوء أو باليد روايات والأول أصح عند جماعة منهم الكرخي وصاحب الغاية والينابيع وغيرهم، انتهى وقال ابن عابدين ثانيها أصح لأنه الوسط كما في المحيط والحاوي القدسي وتمامه في الحلية، انتهى.
(٢) على وزن عظيم قال المجد النمر كفرح وأمير الزاكي من الماء ومن الحسب والكثير ومن الماء الناجع عذبًا كان أو غير عذب، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>