أفواه القراء وحفاظ القرآن دون الرجوع إلى ما كتب مخطوطا أو مطبوعا أو مسجلا في أشرطة لوسعه ذلك بيسر وسهولة، فكيف بذلك في العصور الإسلامية الزاهرة التي بلغت فيها العناية بالدين أصوله وفروعه شأوا بعيدا وغاية قصوى في النهوض به في شتى جوانبه وجميع نواحيه، إن الواقع لأعظم بينة وأوفى شهيد على بقاء القرآن محفوظة نصوصه من يوم نزل إلى وقتنا.
وأما إثبات بقائه محفوظا بكونه معجزة خالدة إلى يوم القيامة فإن ما كان به معجزة ودليلا على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن نزوله عليه لا يزال قائما، فهو لا يزال يتحدى العالم أن يأتوا بمثله في فصاحته وبلاغته وقوة أسلوبه وفي أحكام تشريعه وصلاحيته للنهوض بالأمم، مع تفاوت طبقاتها واختلاف أحوالها في كل زمان ومكان، وفي قصصه الصادق عن الأمم السابقة وأخباره عن سائر الغيبيات السابقة واللاحقة، ولم يأت أحد بمثله حتى وقتنا الحاضر، مع بعد العهد بنزوله، ومضي أكثر من ثلاثة عشر قرنا على ذلك، ومع كثرة خصوم الإسلام والمسلمين، وشدة مكرهم وكيدهم لهم، ودأبهم في العمل للقضاء على هذا الدين، ومع تقدم الناس في العلوم الكونية والثقافات المتنوعة، ويأبى الله إلا أن يحفظ دينه ويعلي كلمته، ويكتب للقرآن والسنة الصحيحة