قوله [ولقد (١) أتى على زمان وما أبالي إلخ] هذا زمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكانت قلوبهم متنورة بأنوار الإيمان، وقلوب كفارهم كانت متأثرة بآثارها فلم يكد يخون منهم إلا أقل قليل، والمراد بالرد أني إذا توسوس في قلبي خيانة ونكصت عنه ردني عليه أنه مؤمن، أو أنه ذمي وذو عهد فلا يخون فرجعت إليه بعد ما كنت أعرضت، والمراد بالساعي الذمة نفسها فإن حقن الدماء
(١) قال الحافظ: يشير إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان وكان وفاة حذيفة في أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغير فأشار إليه، وقال ابن العربي قال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة والخليفتين فأشار إلى ذلك بالمبايعة وكنى عن الإيمان بالأمانة، وعما يخالف أحكامه بالخيانة، وقال الحافظ: والمراد المبايعة في السلع ونحوها، لا المبايعة بالخلافة والإمارة، وقد اشتد إنكار أبي عبيد وغيره على من حمل المبايعة ههنا على الخلافة وهو واضح، والمراد أنه لوثوقه بوجود الأمانة في الناس أولاً كان يقدم على مبايعة من اتفق من غير بحث عن حاله، فلما بدأ التغير في الناس، وظهرت الخيانة صار لا يبايع إلا من يعرف حاله، ثم أجاب عن إيراد مقدر كان قائلاً قال: لم تزل الخيانة موجودة لأن الوقت الذي أشرت إليه كان أهل الكفر فيه موجودين وهم أهل الخيانة، فأجاب بأنه وإن كان الأمر كذلك لكنه يثق بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه، وهو الحاكم الذي يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا المسلم فكان واثقًا بإنصافه، وتخليص حقه من الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير الذي أشار إليه فإنه لا يبايع إلا أفرادًا من الناس يثق بهم، انتهى مختصرًا.