(٢) ولفظ رواية البخاري عن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسًا ملكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، قال الحافظ: نقل ابن بطال عن المهلب أن ظاهر حديث أبي بكرة يوهم توهين رأي عائشة فيما فعلت وليس كذلك لأن المعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة في طلب الإصلاح بين الناس ولم يكن قصدهم القتال، لكن لما انتشبت القتال لم يكن لمن معها بعد من المقاتلة، ولم يرجع أبو بكرة عن رأي عائشة وإنما تفرس بأنهم يغلبون لما رأى الذين مع عائشة تحت أمرها لما سمع في أمر فارس، قال: ويدل لذلك أن أحدًا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليًا في الخلافة ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان، وترك الاقتصاص منهم، وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتص منه، فاختلفوا بحسب ذلك، فلما انتصر علي عليهم حمد أبو بكرة رأيه في ترك القتال معهم وإن كان رأيه موافقًا لرأي عائشة في الطلب يدم عثمان، انتهى كلامه، قال الحافظ: وفي بعضه نظر فقد أخرج البخاري في باب ((إذا التقى المسلمان بسيفهما)) من حديث الأحنف أنه كان خرج لينصر عليًا فلقيه أبو بكرة فنهاه عن القتال، وأخرج قبله بباب من قول أبي بكرة لما حرق ابن الحضرمي ما يدل على أنه كان لا يرى القتال في مثل ذلك أصلاً، فليس هو على رأي عائشة، ولا على رأي علي في جواز القتال بين المسلمين أصلاً، وإنما كان رأيه الكف وفاقًا لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر وغيرهم، ولهذا لم يشهد صفين مع معاوية ولا علي، انتهى.