للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما دام قلمه رطبًا فإنه يغير ويثبت. قوله [اعقلها وتوكل] فأعلى (١) مراتب التوكل أن يباشر الأسباب ولا يعتمد عليها، ثم أن لا يباشر الأسباب، ثم لا شيء بعد ذلك، وهو أن يباشر الأسباب ويتوكل عليها. قوله [قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ] ليس (٢) المراد أني لم أحفظ سوى ذلك، بل المراد أن ذلك مما حفظته منه صلى الله عليه وسلم.

قوله [لا يعدل] مفعوله (٣) محذوف إفادة للإحاطة والتعميم، أي لا يعد له


(١) ولمشايخ السلوك في ذلك تفاصيل طويلة مبسوطة في كتب الفن، لا سيما في الإحياء وشروحه، وجعلوا الأسباب عدة أنواع، متيقنة ومظنونة ومتوهمة، وكذا القلوب مختلفة، تتشوش بالأشغال، ولا تتشوش بها، وجعلوا لكل باب منها جزءًا مقسومًا لا يسع تفاصيلها بل ولا إجمالها هذا المختصر، وتقدم شيء من ذلك في أول أبواب الطب.
(٢) وذلك لأن المرويات عن الحسن مرفوعًا مع التصريح بالسماع أو الرؤية عديدة ذكرت في مسند أحمد وغيره، والقصة التي أشار إليها الترمذي هي ما أخرجه أحمد في مسنده عنه قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر، فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التمرة؟ قال: إنا لا نأكل الصدقة، قال: وكان يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدقة طمأنينة، وإن الكذب ريبة، قال: وكان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، الحديث.
(٣) هكذا في الأصل، والظاهر من المفعول ما ناب عن الفاعل، وعلى هذا يكون لا يعدل ببناء المجهول، كما أعرب عليه بذلك في الكتاب. وعلى ما أفاده من قوله: وممكن إرجاع الضمير يكون بصيغة المعلوم، وفي المصرية لا تعدل بالنون، وعلى هذا فحذف المفعول ظاهر، وكذلك ما في المجمع إذ قال: لا تعدل بالرعة يجوز كونه بالجزم للمخاطب، أي لا تقابل شيئًا بالورع، وكونه خبرًا منفيًا بضم تاء وفتح دال، أي لا تقابل خصلة، انتهى. ولفظ جمع الفوائد برواية رزين عن جابر: لا يعدل الورع بشيء، وفي المشكاة برواية الترمذي: لا تعدل بالتاء، وحكى القاري عن المظهر الاحتمالين المذكورين عن المجمع، ثم قال: ضبط لا يعدل بصيغة المذكر المجهول على أن الجار والمجرور نائب الفاعل، وهو ظاهر جدًا، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>