ما قيل في توجيه الحديث، وبذلك يصح إيراد الحديث هاهنا، وبه يظهر مطابقة الترجمة، وأما ما قال الشراح في توجيهه بأن الإيمان بالله مفسر بالشهادتين فحسب، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأداء الخمس الثلاثة الباقية منها، وقيل (١): الإيمان
(١) هذا هو المشهور عند الشراح في تفسيره، كما حكاه القاري وغيره من عامة مفسري الحديث، ففي المرقاة: قال ابن الصلاح: قوله أن تعطوا عطف على قوله بأربع فلا يكون واحدًا منها، وإن كان واحدًا من مطلق شعب الإيمان، انتهى. فيكون هذا من باب زيادة الإفادة، قال الطيبي: في الحديث إشكالان: أولهما أن المأمورية واحد والأركان تفسير للإيمان بدليل قوله أتدرون ما الإيمان، وثانيهما أن الأركان المذكورة خمسة وقد ذكر أولاً أربعة، وأجيب عن الأول بأنه جعل الإيمان أربعة نظرً إلى أجزائه المفصلة، وعن الثاني بأن عادة البلغاء إذا كان الكلام منصبًا لغرض من الأغراض جعلوا سياقه له، وكأن ما سواه مطروح، فها هنا ذكر الشهادتين ليس مقصودًا لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة، انتهى. ويدل عليه ما في رواية للبخاري: أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا خمس ما غنمتم، ولا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت، قال القاري: وبهذه الرواية تندفع الإشكالات، ويرجع إليها التأويلات، لكني ما أقول ما قاله الطيبي من أن ذكر الشهادتين ليس مقصودًا، بل أقول: هو المقصود بالذات وإنما المذكورات بيان شعبها المعظمة وأركانها المفخمة، ومحمل كلام الطيبي أنه ليس مقصودًا من الأربع، بل هو جملة معترضة، وقال السيد جمال الدين: قيل: هذا الحديث لا يخلو عن إشكال لأنه إن قرئ وإقام الصلاة إلخ بالرفع على أنها معطوفة على شهادة ليكون المجموع من الإيمان فأين الثلاثة الباقية؟ وإن قرئت بالجر على أنها معطوفة على قوله بالإيمان يكون المذكور خمسة لا أربعة، وأجيب على التقدير الأول بأن الثلاثة الباقية حذفها الراوي اختصارًا أو نسيانًا، وعلى التقدير الثاني بأنه عد الأربع التي وعدهم ثم زادهم خامسة، وهي أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم، انتهى. وفي ذلك أقوال أخر ذكرها الحافظ وغيره كقول ابن العربي يحتمل أن يقال: إنه عد الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها في كتاب الله وتكون الرابعة أداء الخمس.