للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن النبي صلى الله عليه وسلم شبه (١) الصلاة بالغسل، وأنت تعلم ما في مراتب الغسل من التفاوت، فمن غاسل ليس له غير سقوط الفرض عنه لو جنبًا، وغير البرد لو طاهرًا، ومن غاسل يهتم باغتساله بالماء الحار والصابون والأشنان إلى غير ذلك من الأسباب، وآخر منهم يدخل في الحمام فلا يخرج في أقل من نصف يوم، أفتراهم تساووا في تحصيل النظافة ونقاء البدن؟ لا والله! ولعلك تتوهم أن المرتبة الأخيرة من المشبه لا يتحصل في المشبه به، فإن شيئًا من صنوف الغسل لا يوجب تلوثًا وتلطخًا له، كما في المشبه من إيراث صلاته سخطًا عليه ومقتًا من الله عز وجل، قلنا: هذا غير بعيد فإن السؤال قد نشأ من عدم الممارسة بحياض الأعراب، وغدران الفلوات، فإنها لطول مكث المياه وكثرة ورود الحمير والبغال والجواميس والجمال، لا تورث شيئًا من النظافة بل ضده، وإن حكم الفقيه بطهارتها على حسب الشرع الشريف سيما على مذهب الشافعية والمالكية رحمهم الله تعالى، فإنه يعد غاسلاً باغتساله فيها، ولم يحصل له برد الجسم ولا سرور القلب، فكيف بإزالة الوسخ والدرن، والحمد لله ذي الأنعام والمنن، وفقنا الله بأداء طاعاته على حسب مرضاته، وأجارنا عن وساوس الشيطان ونزغاته، وأحلنا دار كراماته بمحض ألطافه وعناياته، إنه كريم جواد، وبيده مقاليد الضلال والسداد، وهو مالك أزمة الرشاد، وأنامله قابضة على أفئدة العباد، يصرفه (٢) كيف شاء على الصلاح والفساد.


(١) إن كان لفظ المثل بفتح الميم وفتح المثلثة فتشبيه الصلاة بالغسل الطاهر، وإن ضبط بكسر الميم وسكون المثلثة -وبالاحتمالين ضبطه القسطلاني وغيره من شراح الحديث- فالظاهر تشبيه الغسل بالصلاة، لكنه في الحقيقة تشبيه الصلاة بالغسل إذ ذاك أيضًا، عكس في اللفظ مبالغة، قال القارئ: عكس في التشبيه حيث أن الأصل تشبيه المعقول بالمحسوس مبالغة، انتهى.
(٢) فقد روى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قلوب بني آدم كلها بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. كذا في المشكاة عن مسلم، قلت: وقد تقدم معناه برواية أنس عند المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>