للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا في جماعة، فإنهم لو كانوا مصلى فرائض العشاء لأقامهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث شاء، ولم يحتاجوا إلى ذكر القصة لديه صلى الله عليه وسلم، ولا يتصور صلاتهم بغيرهم صلى الله عليه وسلم فرضهم وهو فيهم، فلا يورد على الأحناف بأنهم كيف خصصوا (١) منه من صلى وظهره إلى وجه إمامه، فإنهم قالوا بفساد صلاته مع أن الرواية لا تفرق بين أحد منهم.

قوله [وقال ابن عمر رضي الله عنه في هذا أنزلت] اعلم أن الرواية كثيراً ما تنسب نزول آية إلى وقعة، والأخرى إلى غيرها، ووجه ذلك كثيراً ما يكون أن الآية نزلت بعد وقوعهما كلتيهما فصح أن يقال في كل منهما أنها نزلت فيها (٢)


(١) ففي الهداية: من أم قومًا في ليلة مظلمة فتحرى القبلة، وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة وكلهم خلفه ولا يعلمون ما صنع الإمام اجزأهم لوجود التوجه إلى جهة التحرى، وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة، ومن علم منهم بحال إمامه تفسد صلاته، وكذا لو كان متقدمًا على الإمام، انتهى. قلت: ولو حمل الحديث على الفريضة كما ذكرته احتمالاً فلا يشكل عندي على الحنفية لأن صلاتهم على جهات مختلفة لا تستلزم التقدم على الإمام، بل يجوز أن يكونوا كلهم خلفه، ومع ذلك صلوا إلى جهات مختلفة، وأكثر ما يلزم حينئذ أن يكون ظهر بعضهم إلى ظهر الإمام، ولا خلاف فيه للحنفية، إنما خلافهم فيما إذا صار ظهر المأموم إلى وجه الإمام المستلزم لتقدمه عليه، فتأمل.
(٢) هذا هو المعروف عند المفسرين، قال السيوطي في الإتقان: الحال الخامس أن يمكن نزولها عقيب السببين أو الأسباب المذكورة بأن لا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك، مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن عباس نزول آية اللعان في هلال بن أمية، وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد نزولها في قصة عويمر، وجمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادق مجيء عويمر أيضًا، فنزلت في شأنهما معًا، وإلى هذا جنح النووي وسبقه الخطيب فقال: لعله اتفق لهما ذلك في وقت واحد، وقال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب، انتهى مختصراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>