(٢) لعل الشيخ رحمه الله تعالى احتاج إلى لفظ يوهم لما أن ظاهر كلام قتادة لو حمل على العموم يدل على عدم تعيين القبلة في أول الزمان، بل يصلي من شاء إلى أي جهة شاء ولم يعرف زمان فيما مضى تكون القبلة فيها بهذا العموم فلذا أوله الشيخ بهذا الكلام، واختار هذا التوجيه لبقاء حكمه في بعض= =الصور كالمعذور ومن اشتبهت عليه القبلة، وحمل أهل التفسير قول قتادة على ظاهره فنسبوا إليه هذا، ففي البحر المحيط: قال الحسن وقتادة: أباح لهم في الابتداء أن يصلوا حيث شاءوا فنسخ ذلك، انتهى. والظاهر عندي أن من نسب إلى قتادة ذلك أخذه بقوله: إنها منسوخة، ولم يكن غرضه العموم. بل كان غرضه ما في الدر برواية ابن جرير وابن المنذر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخا لكم قد مات -يعني النجاشي- فصلوا عليه، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم، فأنزل الله {وإنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} الآية. قالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله {ولِلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ} الآية، فالظاهر عندي أن غرض قتادة أنه كان في أول الإسلام من كان يصلي إلى غير القبلة لعدم العلم بالمسألة أو لعارض آخر كانت صلاته معتبرة، فتأمل فإني لم أجده في كلام أحد.