للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [أنه قد غضب] أي رسخ في قلبه الغضب والموجدة عليهم، وإلا فمطلق الغضب كان غير مشكوك فيه، فكيف يقال فيه إنا ظننا ذلك، ثم إن غضبه صلى الله عليه وسلم لما لم يكن إلا لأمر شرعي انتفى بتهديدهم والموجدة عليه، فإنه (١) لا شك في أنهم تابوا وندموا على ما سألوه، فكان كما قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

قوله [فاستقبلتهما هدية] أي (٢) فآتاهما حين انحرفا للانصراف.

قوله [أنى شئتم] أي من أين (٣) شئتم.


(١) كما هو المتعين من جلالة شأنهما، ففي الإصابة عن عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وعباد بن بشر، وفي الصحيح من حديث أنس أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاءت عصا أحدهما، فلما افترقا أضاءت عصا كل واحد منهما، انتهى.
(٢) قال القاري: أي استقبل الرجلين شخص معه هدية يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسناد مجازي.
(٣) قيل: أنى بمعنى كيف بالنسبة إلى العزل وتركه، قاله ابن المسيب، فتكون الكيفية مقصورة على هذين الحالين، أو بمعنى كيف على الإطلاق، أي في أي حال شاءها الواطي قائمة أو مضطجعة، أو بمعنى متى، قاله الضحاك، أي في أي زمان شئتم، وقال جماعة من المفسرين: بمعنى أي، والمعنى على أي صفة شئتم، فيكون تخييراً في الهيئة، أي أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر، وقد وقع ذلك مفسراً في بعض الأحاديث، وقيل: بمعنى أين فجعلها مكانًا، واستدل به على جواز النكاح في الدبر، وممن روى إباحته محمد بن المنكدر، وعبد الله بن عمر من الصحابة، ومالك، وروى عن ابن عمر تكفير من فعل ذلك وإنكاره، وروى عن مالك إنكاره، سئل عنه= =يزعمون أنك تبيح إتيان النساء في الدبر، فقال: معاذ الله ألم تسمع قوله عز اسمه {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} وأنى يكون الحرث إلا موضع البذر، وروى تحريم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيًا بألفاظ مختلفة كلها تدل على التحريم، وقال ابن عطية: لا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه= =النازلة على زلة عالم، وقال أيضًا: أنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة من أي وجه شئتم، وأنى يجيء سؤالاً وإخبارًا، فهي أعم في اللغة من كيف وأين ومتى، هذا هو الاستعمال العربي، كذا في البحر المحيط مختصراً منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>