للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثابة بل المرء بعد الاتصاف بكل منهما منتجع الائتمار والانتهاء ومرمى (١) طلب الارتداع والاهتداء، فان الشحيح لا يأنف عن القيام بأمور الخير التي ليست فيها نفقة، وكذلك إتباع الهوى لا يمنعه عن تعاطي أمور دينه، غير أنه ليس ينتهي عن مأثم تعودها، ومع ذلك فأنه مستغفر الله مقر بخطائه، راجي عفو مولاه وعطائه، وهذا هو القياس في استيثار الدنيا فأنه لا يمنعه عن القيام بجميع ما أمر وانتهاء عن كل ما نهى عنه، غير أنه لحبه الدنيا لا يتركها تذهب عنه، وأما إذا أعجب برأيه وسره فهمه، وما أبلاه الله به من سوء الاختيار فانه لا يعد نفسه خاطئا حتى يفكر، ولا مذنباً حتى يقلع، ولا مقصراً حتى يجتهد.

قوله [فان من ورائكم أياماً] كأنه جواب لمن تعجب أن يعم المسلمين هذه الكيفية السيئة التي ذكرها بقوله: حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً الخ بأن لا عجب في مثل هذا الزمان الذي هو آت عن ذلك، لأن الصبر على دينه لما كان شديداً لا محالة يبتلون بما يبتلون. قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (٢) الشهادة


(١) هكذا في الأصل، فيحتمل أن يكون من رمى الشئ ألقاه أو يكون مرصى من أرصي بالمكان لزمه ولا يمرح به كما في القاموس.
(٢) قال صاحب الجمل: هذه الآية واللتان بعدها من أشكل القرآن حكماً وإعراباً وتفسيراً، ولم يزل العلماء يستشكلونها ويكفون عنها، حتى قال مكي ابن أبي طالب رحمة الله في كتابه المسمى بالكشف: هذه الآيات في قرامتها وتفسيرها وإعرابها ومعاينها وأحكامها من أصعب آي القرآن وأشكله، قال ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر، قال: وقد ذكرناها مشروحة في كتاب مفرد. وقال الشخاوي: لم أر أحداً من العلماء تخلص كلامه فيها من أولها إلى آخرها، قلت: وأنا أستعين الله في توجيه إعرابها واشتقاق مفرداتها وتصريف كلماتها وقراءاتها ومعرفة تأليفها، وأما بقية علومها فنسأل الله العون في تهذيبه، إلى آخر ما في عبارة السمين، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>