للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [ولا يحجبن بعد العام مشرك] وهذا خاص بأيام الحج، فأتبعه: ولا يطوفن بالبيت عريان، فكان المعنى أنهم لا يأتون البيت في أيام الحج أيام طاعتنا، وأما في سائر الأيام، فلا يأتونه عراة على عادتهم، وفي هذا دليل على ما ذهب إليه (١) الإمام من جواز دخول الذمى في المسجد، وأما قوله تعالى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ {فالمراد به هو الحج للحديث (٢).


(١) والمسألة خلافية شهيرة، قال الشيخ في البذل: في دخول المشرك المسجد مذاهب، فعند الحنفية الجواز مطلقاً، وعند المالكية والمزني المنع مطلقاً، وعند الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية، انتهى. واختلف نقله المذاهب في بيانها.
(٢) أي لحديث الباب، قال الجصاص في أحكام القرآن تحت قوله تعالى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}: قد تنازع في معناه أهل العلم، فقال مالك والشافعي: لا يدخل المشرك المسجد الحرام، قال مالك: ولا غيره من المساجد إلا لحاجة من نحو الذمى يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة، وقال الشافعي: يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة، وقال أصحابنا: يجوز للذمي دخول سائر المساجد، وإنما معنى الآية على أحد وجهين، إما أن يكون النهي خاصاً في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد، لأنهم لم تكن لهم ذمة، وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وهم مشركو العرب، أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنداء يوم النحر، وفي حديث على حين أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يبلغ عنه سورة براءة نادي: ولا يحج بعد العام مشرك، دليل على المراد بقوله: فلا يقربوا المسجد الحرام، ويدل عليه قوله في نسق الآية {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينتفعون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج، فدل ذلك على أن مراد الآية الحج، ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أفعال الحج وإن لم يكن في المسجد، ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد بغير الحج، إلى آخر ما بسطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>