{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} ِ وقال أيضاً: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فعلم عمر من الآيتين معاً حرمة الاستغفار لهم، والصلاة شاملة للاستغفار، فلذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه: أوليس قد نهى الله إلخ لما أنه رضي الله تعالى عنه حمل قوله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} على أنه نهى تحريم، ولذلك قال في قوله تعالى:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} إنه أراد بذلك منعه عن الاستغفار لهم، وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما (١) حمل
(١) قال الحافظ: وإنما لم يأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله، وصلى عليه إجراءاً له على ظاهر حكم الإسلام واستصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف، ودفع المفسدة، وكان -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير، ولذلك قال: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك بما أمر فيه بمجاهرتهم، وبهذا التقرير يندفع الأشكال عما وقع في هذه القصة. قال الخطابي: إنما فعل ذلك لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين، ولتطيب قلب ولده الرجل الصالح، ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم، فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة قبل النهي الصريح لكان سبة على ابنه، وعاراً على قومه، قال الحافظ: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكونه -صلى الله عليه وسلم- صلى عليه، وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرحة في حقه بما ينافى ذلك، وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال، وإطباقهم على ترك ذكره في الصحابة مع شهرته، وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال: فأنزل الله {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} الآية، قال فذكر لنا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وما يغنى عنه قميصي من الله، وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، انتهى.