للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضوا (١) لسبيلهم، فلما كان بعد ذلك بكثير أسرى بي فأتيت بطست من ذهب، إلى آخر ما قال.


(١) يعني لم تكن تلك الليلة ليلة المعراج وإذا عرجت الملائكة في تلك الليلة، ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه برواية شريك عن أنس يقول: ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرئيل فشق ما بين نحره إلى لبته، الحديث بطوله، قال الحافظ: قوله: جاء ثلاثة نفر لم أقف على تسميتهم صريحًا لكنهم من الملائكة وأخلق بهم أن يكونوا من ذكر في حديث جابر المذكور في كتاب الاعتصام بلفظ: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة وقلبه يقظان، الحديث. ثم وجدت التصريح بالتسمية في رواية ميمون عن أنس عند الطبراني، ولفظه: أتاه جبرئيل وميكائيل فقالا: أيهم هو؟ وكانت قريش تنام حول الكعبة، فقالا: أمرنا بسيدهم، ثم ذهبا، ثم جاءوا وهم ثلاثة فألقوه فقلبوه لظهره، وقوله: قبل أن يوحى إليه أنكرها الخطابي وابن حزم وعبد الحق، وقال النووي: وقع في رواية شريك هذه أوهام أنكرها العلماء: أحدها قوله: قبل أن يوحى إليه، وهو غلط لم يوافق عليه، وأجمع العلماء على أن فرض الصلاة كانت ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل الوحي، انتهى. وقوله: (كانت تلك الليلة) الضمير المستتر في (كانت) محذوف، والتقدير فكانت القصة الواقعة تلك الليلة، (فلم يرهم) بعد ذلك (حتى أتوه ليلة أخرى) ولم يعين المدة التي كانت بين المجيئين، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحى إليه، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون المدة ليلة واحدة أو ليالي أو عدة سنين، وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة، ويسقط تشنيع الخطابي وغيره أن شريكًا خالف الإجماع، وما ذكره بعض الشراح أنه كان بين الليلتين سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع، وقيل: عشر، وقيل: ثلاثة عشر، فيحمل على إرادة السنين لا كما فهمه الشارح المذكور أنه ليالي، وبذلك جزم ابن القيم في هذا الحديث نفسه، انتهى. قلت: وبذلك وضح مراد الشيخ بقوله: فلما كان بعد ذلك بكثير أسرى بي.

<<  <  ج: ص:  >  >>