للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على تركها. قوله [إنه من لم يسأل الله يغضب عليه] قد يحمل على ما ذكرناه من أنه يحصل بانيان الشرائع، فلا يتوهم أن إبراهيم عليه السلام كيف ترك (١) الدعاء حين ألقى في النار، حيث قال: علمه بحالي حسبي من سؤالي، وقد يجاب عنه أيضًا بأن ترك السؤال إنما كان بلسانه لا بقلبه، فإنه لم يكن له هم إذ ذاك إلا ذكره تبارك وتعالى، والذكر والثناء والشكر له سبحانه من العبد كله دعاء وسؤال لما له من فاقة ذاتية إليه.

قوله [لسانك رطبًا إلخ] بإقامة الدال مقام المدلول، فإن المقصود إنما هو تذكر القلب إلا أن الذكر اللساني سبب له ومنبئ عنه فيثاب عليه أيضًا، وأما إذا اجتمعا فهو أولى وأحرى. قوله [لكان الذاكرين الله كثيرًا أفضل إلخ] لما أن حسن الذكر ذاتي من غير توسط أجنبي، بخلاف الجهاد فإنما حسن لأجل غيره (٢).


(١) كما جزم بذلك عامة المفسرين في تفسير سورة الأنبياء، قال البيضاوي: روى أنهم بنوا حظيرة بكوئي وجمعوا فيها نارًا عظيمة، ثم وضعوه في المنجنيق مغلولاً فرءوا به فيها، فقال له جبرائيل: هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال: فسل ربك، قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فجعل الله ببركة قوله الحظيرة روضة، انتهى. قلت: وأجاد شيخ مشايخًا في التفسير العزيزي في سورة المزمل الكلام على أنواع التوكل، ومن جملتها قول إبراهيم عليه السلام هذا، فارجع إليه.
(٢) قال ابن عابدين: ولا تردد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد لأنها فرض عين وتتكرر، ولأن الجهاد ليس إلا للإيمان وإقامة الصلاة فكان حسنًا لغيره، والصلاة حسنة لعينها وهي المقصودة منه، وتمام تحقيق ذلك مع ما ورد في فضل الجهاد المذكور في الفتح، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>