للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ولا شك أن الوضوء جزء من الصلاة متوقف عليه صحتها، والفرق بين الشرط والركن كما هو في اصطلاح الفقهاء إنما هو عرف مجدد، فلا يضر تأويلنا. [البرهان] الدليل [والحجة] هي البينة.

قوله [التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأه] إما أن يكون المراد (١) بذلك ملؤ باقيه، فيكونان سواءين في الأجر إذ كل منهما نصف، ويمكن أن يكون المراد أن التحميد يملؤه بانفراده، ووجه ذلك أن التسبيح تنزيه فقط، والتحميد يستلزم التنزه عن الرذائل بأسرها والاتصاف بالفضائل عن آخرها، ففيه زيادة نسبة إلى التسبيح. والله تعالى (٢) فادر على تجلية هذه الأعمال بهيئات وصور هي صغيرة الحجم ولا يتفاوت وزنها، فلا يستشكل أن الميزان إذا املأ بالتحميد فبم يوزن سائر الأعمال، وكذلك ما يتوهم أن من كرر ففم يوزن.


(١) قال القاري: بالتأنيث على تأويل الكلمة أو الجملة، وبالتذكير على إرادة اللفظ أو الكلام، أو المضاف المقدر، أي لو قدر ثوابه مجسمًا لملأ، وقال أيضًا: أي الميزان كله أو نصفه الآخر، والأول أظهر، قال الطيي: جعل الحمد ضعف التسبيح لأنه جامع لصفات الكمال من الثبوتية والسلبية، والتسبيح من السلبية، انتهى. ...
(٢) أشار الشيخ بذلك إلى جواب عن إشكال يرد على ظاهر الحديث سيصرح به في كلامه، وحاصل الإشكال أن التحميد إذا يملأ الميزان فبقية الأعمال كيف توزن، وظاهر النصوص أن جميع الأعمال الحسنة توضع في كفة واحدة والسيئات بأسرها في الأخرى، والروايات في ذلك كثيرة، منها ما في الدر برواية البيهقي في الشعب عن ابن عباس، قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات، فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات، الحديث. برواية الطبراني عنه= =مرفوعًا: والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرض ومن فهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن، وغير ذلك، وجزم صاحب الجمل في قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: ٨] أن الميزان واحد لكل الخلق وكل الأعمال، والجمع للتعظيم، وحاصل الجواب أن الله تعالى قادر على أن يجمل ثواب التحميد عند الوزن في جثة صغيرة، ونظيره القطن يجعل بالكبس في جثة الحديد حتى أثقل منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>