للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سؤاله ذلك حرصًا على العلم لا على المال، وطلبًا لاستكشاف ما خفى عليه (١) من فضله لا طمعًا فيما ناله أسامة من طوله، لأن عمر رضي الله عنه (٢) إنما كان يفضلهم فيما بينهم بالعطاء، إما لكثرة المشاهد أو لقدم الهجرة، ولما لم يره في شيء منهما أفضل من نفسه سأل، فأجيب أن ذلك لحبه صلى الله عليه وسلم إياه، وإنما كان دليلاً على محبة عمر أنه اختار حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب نفسه. ولا يذهب عليك أن للمحبة أنواعًا ومراتب وجهات مختلفة، فلا يلتبس عليك حب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر، وعائشة وخديجة، وحسنًا وحسينًا، وعليًا وفاطمة، وأسامة وزيدًا، وبين هؤلاء بون لا يكتنهه مقياس، ولا يحصى كنهه وهم ولا قياس.

قوله [فرأيت رأي أخي إلخ] لأنه (٣) اختار ما عند الله من العلم


(١) وبذلك جزم القاري إذ قال: لم فضلت أسامة، أي في الوظيفة المشعرة بزيادة الفضلة، انتهى.
(٢) وذلك لما أخرج أبو داود عنه برواية مالك بن أوس قال: ذكر عمر بن الخطاب يومًا الفيء فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا أحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسوله، فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، انتهى.
(٣) قال القاري: قوله (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن حارثة) وهو أكبر من أخيه زيد بن حارثة، (هو ذا) "هو" عائد إلى زيد و "ذا" إشارة إليه، أي هو حاضر مخير، قوله (لم أمنعه) أي فإني أعتقته، قال جبلة: (فرأيت) أي فعلمت بعد ذلك (رأى أخي) أي زيد (أفضل) من رأيي، حيث اختار الملازمة لحضرة المتفرغ عليه خير الدنيا والآخرة، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>