للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أن بلالاً أذن فأراد أن يقيم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبرد وله ألفاظ أخر منها أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم والإبراد في ديارهم إذ ذاك لا قبله وأنت تعلم ما فيه فإنها دعوى غير مستظهرة (١) بالدليل مع أن الإبراد شيء إضافي لا يمكن أن ينكر حصوله بعد زوال الشمس بقليل نعم لا يحس بهذه الإبراد ولإحاطة الحر لأكناف الأرض وجوانبها فلا يحس الإبراد المعتد به إلا قبيل الغروب ولم يذهب إليه أحد وأما الإبراد الحاصل بالنظر إلى نفس حرارة جرم الشمس فهو حاصل وما يقال إن أوقات إمامة جبرئيل نسخت بفعله عليه الصلاة والسلام في المدينة فأمر دون إثباته خرط القتاد (٢) إذ لا بد للنسخ من حجة يعتمد عليها واستدل على صحة رواية المثلين أيضًا بما رواه مالك في موطأه من أن رجلاً سأل أبا هريرة عن وقت الظهر والعصر فقال صل الظهر إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان ظلك مثليك فإنه صريح في أن وقت العصر إنما يبتدئ بعد المثلين وأن وقت الظهر باق بعد المثل لأنه لما أمره بالصلاة عند صيرورة الظل مثله يلزم منه أن يفرغ منها بعده ولو بقليل ولا يخفى ما فيه إذ المطلوب أن أبا هريرة إنما أمره بأمر فصل لا يفتقر معه إلى السؤال عن وقت الصلاة بعد ذلك في فصول السنة كلها فإنه إذا أخذ في الصلاة وظله مثله مع فتى الزوال فإن كان صيفًا يحصل الامتثال بأمر الإبراد ويقع الفراغ


(١) لكنها مستظهرة بالتجربة فإن الحرارة التي تكون عند الزوال لا تبقى بعد المثل كما لا يخفى وأما مجرد الحرارة في زمان شدة الصيف تبقى إلى طلوع الفجر فليس بمراد بداهة.
(٢) قلت: لكنهم أجمعوا على أنها منسوخة في آخر وقت الفجر إذ يبقى إلى الطلوع وآخر وقت العصر إذ يبقى إلى الغروب وآخر وقت المغرب إذ يبقى إلى غروب الشفق وآخر وقت العشاء إذ يبقى إلى طلوع الفجر فإذا نسخها في آخر الأوقات الأربعة مجمع عليه فليت شعري ما المانع في نسخ آخر وقت الظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>