ألفوا من القراءة في الصلاة كما قد قدمنا وأما من تعمق في مضمون الخطاب فرأى أن النهي عام لسكتة الإمام وقراءته فكان حاله ما قلنا من رواية عبد الله بن مسعود ولولا الأمر ما قلنا من بناء قراءتهم على اجتهادهم فأي حرج كان عليهم في قراءتهم خلفه حتى سكنوا حين سأل أيكم قرأ أو قال هل قرأ خلفي منكم أحد أو لم يكن يعلم أني أمرتهم بذلك فلا يصح سؤاله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا كان عليهم أن يجيبوا بأنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بأن نقرأ، فعلم أن قراءتهم هذه إنما كانت في السكتات وأن مدارها كان على اجتهادهم إن إحراز فضيلتي قراءة الفاتحة واستماع قراءة الإمام والإنصات وقت قراءته هو الأولى، فلما انصرف عن صلاته وأنكر عليهم قراءته لما اجتهدوا أي قاسوا والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن وليس في الحديث الذي نحن فيه ما يستدل به على وجوب الفاتحة، فإن أحدًا من أئمة اللغة والنحو والبيان لم يقل بأن الاستثناء من الأمر يكون نهيًا ومن النهي أمرًا بل الأمر كذلك لكان معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة إلخ وجوب شد الرحال إليها ولم يقل به أحد فالذي يفهم منه أن القراءة خلف الإمام لا تصح ولا تجوز إلا أن له رخصة في قراءة الفاتحة وكان ههنا منشأ سؤال وهو أن يسأل وجه الرخصة في الفاتحة مع حرمة القراءة وراء الإمام فقال: إن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب لا تصح صلاته إذا لم يكن وراء الإمام، فإذا كان وراء الإمام فله رخصة في قراءتها لعظمة شأنها وقلة مقدارها وكثرة سكتة الإمام قبلها وبعدها، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية فإنه لا صلاة إلخ ليس إلا جوابًا لذلك السؤال المقدر وبيانًا للفرق بين الفاتحة والسورة الأخرى، قال الأستاذ -أدام الله علوه ومجده وأفاض على العالمين بره ورفد- قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا صلاة إلخ تنبيه على علة الرخصة وتبيين لعلة الاستثناء وذلك أن الفاتحة تفارق سائر القرآن في كثرة تكرار الألسنة له ودوام قراءتها في الصلاة بأسرها فريضة كانت أو تطوعًا،