للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترك القراءة وإلا لم يكن لهذا الاستبعاد والسؤال وجه.

قوله [اقرأ بها في نفسك] أنت تعلم أن القراءة في النفس لا تسمى قراءة فكيف يتم الاستدلال بها على الوجوب وظاهر معنى القراءة في النفس إنما هو التدبر (١) في معنى الآية، وأما إرادة القراءة الخفية فمع أنها ليست مما يدل عليه اللفظ يردها أن المسائل لم يكن استبعد إلا إسراره بها دون الجهر بها إذا لم يكن أمره أبو هريرة إلا بالقراءة السرية وإذا كان كذلك لم يكن جوابه على ما زعمتم شافيًا لباله ولا كاشفًا غمة بلباله بل ولا مطابقًا لسؤاله مع أن مراد أبي هريرة لو سلم أنه هو الذي زعمتم لا ما أردنا فليس اجتهاد الصحابي سيما ولم يعد (٢) من فقهاء الصحابة واجبًا تسليمه إذا خالف اجتهاد غيره من الفقهاء بل ومخالفًا للروايات الصحيحة أيضًا فقد ورد في بعض الروايات (٣) أن أبا هريرة حين سأله السائل عن حالة الاقتداء هل يأتي فيها بالقراءة أم لا استدل بما ورد في الصحيح من قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، الحديث، فلما كان أطلق عليها لفظ الصلاة فكانت هي عين الصلاة لا تتم صلاة دونها وهذا الاستدلال مع إمكان التفصي عنه بوجوه غير قليلة مناد على أن أبا هريرة لم يكن عنده رواية هي نص في أداء المعنى المقصود (٤) حتى التجأ إلى هذا الاستدلال الذي


(١) وبه فسر عيسى وابن نافع معنى القراءة في النفس كما في الأوجز، وسيأتي ما يتعلق بتفسير هذا الحديث من كلام الشيخ قدس سره في أبواب التفسير.
(٢) كما قاله بعضهم وإن كان من أحفظ الصحابة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بالشبع وكان متقنًا متينًا مثبتًا ذكيًا ذا صيام وقيام وذكر وتسبيح وتهليل رضي الله عنه وأرضاه.
(٣) فقد أخرج أبو داؤد وغيره هذه الرواية مفصلاً.
(٤) يعني أن أبا هريرة استدل على أمره بالقراءة في النفس بالحديث القدسي قسمت الصلاة بين وبين عبدي، الحديث، ولا يتم التقريب كما لا يخفى ولما ذكره مستنده ومأخذه علم أن قوله هذا من اجتهاده فلم يبق في الرفع المحكمي أيضًا فلم يبق إلا اجتهاد صحابي مخالف لأقوال الصحابة والروايات المرفوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>