للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن أن يقال إن من حمله على التشديد والتغليظ ليس غرضه أنه كلام لم يرد معناه أصلاً حتى يلزم الكذب بل، غرضه أنه لم يرد ظاهر معناه وحقيقته المتبادرة منه، وهو نفي القبول أصلاً، بل المنفي نوع من القبول خاص والأخبار متعلقة بنفي توبة مخصوصة وهو الرجوع بالرحمة الكاملة الذي كان لو لم يرجع إلى الشرب رابعة، إلا أنه أبرزه في صورة العام المطلق تشديدًا وتهديدًا كالمعلم يهدد تلميذه أو المولى يشدد على عبده فيقول: إن لم تفعل هذا قتلتك ليس المراد ظاهر معناه حتى يلزم الكذب، بل هو مجاز عن الضرب الشديد إلا أنه أبرزه في صورة القتل تغليظًا واتمامًا للزجر وتشديدًا، ولا يتوهم أن مدمن الخمر ليس بأدون شأنًا ولا أكثر عقابًا من الكافر ومع ذلك فكثير من الكفار يوفق للتوبة فكيف لا يوفق مدمن الخمر، وعدم التوهم لأن الكافر كان جاهلاً عن نعمة الإسلام ولم يعرف حقيقة أمره فلا يسخط عليه كما يسخط على من عرف بشأنه ثم سقط في هوة (١) المنكرات الشرعية، ونظيره المرتد فإنه ليس أسوء حالاً من أهل الذمة في نفس الكفر ومع ذلك فقد وجب قتل المرتد دون أهل الذمة لهذا الذي ذكرنا فإن الامتناع أسهل من الارتداد.

قوله [سئل عن البتع] وهو شراب العسل لكن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بقول فصل يمهد لهم أصلاً يتفرع عليه جزئيات كثيرة، وهو أن كل مسكر حرام، أو كل شراب أسكر فهو حرام، وما لم يبلغ مقداره إلى حد الاسكار لم يدخل في أفراد الموضوع حتى يصح عليه حمل الحرام، فبقى على حله، إلا إذا كان بغير نية التقوى للعبادة فإنه يحرم حينئذ المقدار الغير المسكر أيضًا لكن لا بالنص الذي (٢)، بل بقوله عليه الصلاة والسلام الآتي بعد ذلك وهو ما أسكر كثيره فقليله حرام، وما أسكر الفرق منه فملأ منه حرام، وهذا الذي ذكرنا محمل لهذين الحديثين فإن قليله


(١) قال المجد: الهوة كقوة ما انهبط من الأرض أو الوهدة الغامضة منها كالهواءة كرمانة.
(٢) بياض في المنقول عنه ولعله سقط منه لفظ سبق أو تقدم أو ما في معناهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>