للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينئذ يكون باعثًا على شرب كثيره فيكون سبب الحرام وسبب الحرام حرام، ولا يكون منجزًا إلى الكثير إذا كان شربه بنية التقوى على الطاعة وإنما يحتاج إلى أمثال هذه التأويلات لما ثبت من بعض (١) الصحابة شرب أمثالها، فعلم بفعله أن النهي ليس مطلقًا، عامًا ويمكن أن يقال في الرواية الأولى وهو ما أسكر كثيره أن الكثير والقليل كلاهما مسكرن إلا أن الكثير أكثر إسكارًا من القليل، فالقليل حينئذ قسمان قليل مسكر وقليل غير مسكر، والموضوع في الحديث هو القليل الأول دون الثاني، فكان المعنى أن القليل المسكر حرام وإن قل إسكاره، فبقى القليل الغير المسكر على حله، وهذا التأويل جار في قوله عليه الصلاة والسلام كل مسكر حرام


(١) ففي البذل عن البدائع: احتج أبو حنيفة وأبو يوسف بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة، أما الحديث فما في الطحاوي عن عبد الله بن عمر رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بنبيذ فشمه فقطب وجهه لشدته ثم دعا بماء فصبه عليه وشرب منه، وأما الآثار فمنها ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ الشديد ويقول: إنا لننحر الجزور، الحديث. ومنها ما روى عنه أنه كتب إلى عمار بن ياسر أني أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه، يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه، فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم، نص على الحل ونبه على المعنى وهو زوال الشدة المسكرة بقوله: ويذهب ريح جنونه، وندب إلى الشرب بقوله: فليتوسعوا من أشربتهم. ومنها ما روى عن علي -رضي الله عنه- أنه أضاف قومًا فسقاهم فسكر بعضهم فحده، فقال الرجل: تسقيني ثم تجدني؟ فقال علي: إنما أحدك للسكر، وروى هذا المذهب عن ابن عباس وابن عمر أنه قال حين سئل عن النبيذ: اشرب الواحد والاثنين والثلاثة فإذا خفت السكر فدع، فإذا ثبت الإحلال من هؤلاء الصحابة الكرام فالقول بالتحريم يرجع إلى تفسيقهم، إلى آخر ما قاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>