للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: (وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس من أصحابه؛ كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة. ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي، وغير واحد من السلف، وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة. وكأنه – والله أعلم – أصله مأخوذ من أهل الكتاب؛ فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم) (١) ... وهذه الآثار يظهر عليها – والله أعلم – أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدم تصديق أهل الكتاب وفي عدم تكذيبهم أيضاً، ثم إن أخبارهم على ثلاثة أقسام؛ فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضاً، ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في الحديث (٢).

وهذا الأثر – المروي عن ابن عباس – ننظر إليه بهذه الاعتبارات الثلاثة، فهل يدل عليه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء؟. في الحقيقة: أن هذا فرع عن صحة الحديث الذي رواه سمرة بن جندب – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ضعفه. أعني الحديث: ((لما ولدت حواء طاف بها إبليس ... )) (٣) إلخ.

فالمحدثون في هذا الحديث فريقان:

فريق: أخذوا الحديث بالتصحيح، ثم بدؤوا يؤولون في معنى الحديث كي لا يؤدي إلى نسبة الشرك إلى آدم.

وفريق آخر يضعفون الحديث، ويفسرون الآية بما يوافق طبيعة اللغة العربية، وبما روي من آثار في ذلك.

فأما الذين قالوا بصحة الحديث أجابوا بأجوبة، منها:

أ- أن النفس الواحدة وزوجها آدم وحواء، والشرك الواقع منهما ليس شركاً في العبادة، وإنما هو شرك في التسمية، حيث سميا ولدهما (عبد الحارث) والحارث هو اسم إبليس، وآدم وحواء لم يعتقدا بتسمية ولدهما عبد الحارث أن الحارث ربهما (٤)، وقد ذكر هذا القول بعض المفسرين، كابن جرير الذين صوبه (٥)، ورجحه على غيره، وروى في تأييده آثاراً عن السلف.

فروى عن ابن عباس أنه قال: (أشركه في طاعته في غير عبادة، ولم يشرك بالله، ولكن أطاعه) (٦).

وعن قتادة قال: (وكان شركاً في طاعته، ولم يكن شركاً في عبادته) (٧).

وعن سعيد بن جبير قال: (قيل له: أشرك آدم؟ قال: أعوذ بالله أن أزعم أن آدم أشرك، ولكن حواء لما أثقلت أتاها إبليس فقال لها: من أين يخرج هذا؟ من أنفك, أو من عينك, أو من فيك؟ فقنطها، ثم قال: أرأيت إن خرج سوياً ... أتطيعيني؟ قالت: نعم، قال: فسميه عبد الحارث، ففعلت ... فإنما كان شركه في الاسم) (٨).


(١) ((ابن كثير في تفسيره)) (٢/ ٢٧٥).
(٢) ((ابن كثير في تفسيره)) (٢/ ٢٧٥).
(٣) رواه أحمد (٥/ ١١) (٢٠١٢٩)، ورواه الترمذي (٣٠٧٧)، والحاكم (٢/ ٥٩٤). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
(٤) انظر هذا القول عند ((ابن جرير في تفسيره)) (٦/ ٩/١٠١).
(٥) انظر هذا القول عند ((ابن جرير في تفسيره)) (٦/ ٩/١٠١).
(٦) انظر هذا القول عند ((ابن جرير في تفسيره)) (٦/ ٩/٩٩).
(٧) انظر هذا القول عند ((ابن جرير في تفسيره)) (٦/ ٩/٩٩).
(٨) انظر هذا القول عند ((ابن جرير في تفسيره)) (٦/ ٩/٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>