للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الجميل]

قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)) (١) فهو سبحانه جميل بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته، حتى إن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما فيه من الأفراح، وودّوا أن لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب وكذلك هو الجميل في أسمائه، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى: وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ [الأعراف:١٨٠] وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:٦٥] فكلها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال، لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره وكذلك هو الجميل في أوصافه، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقاً، خصوصاً أوصاف الرحمة، والبر، والكرم، والجود، وكذلك أفعاله كلها جميلة، فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث، ولا سفه، ولا سدى، ولا ظلم، كلها خير، وهدى، ورحمة، ورشد، وعدل: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود:٥٦] فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع: أتقن ما صنعه: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:٨٨] وأحسن خلقه الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة:٧] وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:٥٠] والأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري، خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كفُّ واحدة من الحور العين إلى الدنيا، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومنَّ عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء فهذا دليل عقلي واضح مسلَّم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل:٦٠] فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطى بما لا نسبة بينهم، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحق منهم بذلك، وكيف يعبِّر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به: ((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)) (٢) وقال صلى الله عليه وسلم: ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) (٣) فسبحان الله وتقدس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته (٤) قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم)) (٥) وقال أيضاً في الصحيح: قال الله تعالى: ((كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)) (٦) فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم والعاصي، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء دينه، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون، يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم، وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمرهم شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص١٧٨


(١) رواه مسلم (٩١). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (٤٨٦). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه مسلم (١٧٩). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٤) توضيح الحق المبين (ص٢٩ - ٣٢) بتصرف يسير.
(٥) رواه البخاري (٧٣٧٨) ومسلم (٢٨٠٤). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٤٩٧٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>