للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: ادعاء علم الغيب

يقول الإمام ابن العربي المالكي في ذلك: (مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله لا إمارة عليها، ولا علامة عليها، إلا ما أخبر به الصادق المجتبى ... ، فكل من قال: إنه ينزل الغيث غداً فهو كافر، أخبر عنه بأمارات ادعاها، أو بقول مطلق (١)، ومن قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فأما الأمارة على هذا فتختلف، فمنها كفر، ومنها تجربة (٢)، والتجربة منه أن يقول الطبيب: إذا كان الثدي الأيمن مسوداً الحلمة فهو ذكر، وإن كان ذلك في الثدي الأيسر فهو أنثى، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فهو ذكر، وإن وجدت الجنب الأشأم أثقل فالولد أنثى، وادعى ذلك عادة لا واجباً في الخلقة لم نكفره ولم نفسقه، وأما من ادعى علم الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن الجميلة أو المفضلة فيما يكون قبل أن يكون فلا ريب في كفره أيضا ... ) (٣).

وقال صديق خان- رحمه الله-: (فمن اعتقد في نبي، أو ولي، أو جن، أو ملك، أو إمام، أو ولد إمام، أو شيخ، أو شهيد، أو منجم، أو رمال، أو جفار، أو فاتح فال، أو برهمن، أو راهب، أو جنية، أو خبيث أن له مثل هذا العلم، وهو يعلم الغيب بعلمه ذلك فهو مشرك بالله، وعقيدته هذه من أبطل الباطلات وأكذب المكذوبات، وهو منكر لهذه الآية القرآنية وجاحد لها) (٤) أي: قوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ... [الأنعام: ٥٩] الآية.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: ( .. والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به، وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة، ونحو هذا من علوم الجاهلية .. فمن أتاهم (أي الكهنة والعرافين) فصدقهم بما يقولون لحقه الوعيد، وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة، لا ريب أن من ادعى الولاية، استدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، ... إلى أن يقول-رحمه الله- بل مجرد دعواه علم الغيب كفر، فكيف يكون المدعي لذلك ولياً لله؟) (٥).

ومن مجموع هذه النقولات يتبين لنا تكفير العلماء لمن ادعى علم الغيب وذلك لمناقضته وتكذيبه للنصوص القطعية في اختصاصه سبحانه وتعالى بذلك. نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي- ٢/ ١٠٣


(١) لعل المقصود والله أعلم من يقول ذلك على سبيل الجزم واليقين.
(٢) مثل ذلك يقال في مسألة نزول الغيث إن كان عن تجربة وتأمل لسنن الله في الكون، ولم يجزم بوقوع ذلك بغلبة الظن فجائز والله أعلم
(٣) ((أحكام القرآن)) (٢/ ٧٣٨).
(٤) ((الدين الخالص)) (١/ ٤٢٥، ٤٢٦) ,
(٥) ((فتح المجيد)) (ص: ٣٠٤ –٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>