للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم]

ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والشفقة عليهم

ومما يستحب للآمر بالمعروف, والناهي عن المنكر القائم في حدود الله –أعانه الله تعالى- أن يكون قصده رحمة الخلق كلهم, والشفقة عليهم، بكف الناس عن المنكرات التي تسبب الدمار في الدنيا, والعقوبات في الآخرة.

قال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩] غلاظ كالأسد على فريسته. قيل: المراد بـ وَالَّذِينَ مَعَهُ جميع المؤمنين، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أي يرحم بعضهم بعضاً.

وقيل: (متعاطفون متوادون) (١).

وفي الصحيحين من حديث – أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء)) (٢) في (الرحماء) يجوز الرفع والنصب. والله أعلم. الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد الرحمن بن أبي بكر بن داود– ص: ٤٠٥

وليس من مقتضى رحمة أهل المعاصي ترك الإنكار عليهم واستيفاء الحدود منهم وغير ذلك، بل من كمال الرحمة بهم الإنكار عليهم وردهم إلى المنهج القويم والصراط المستقيم.

وإذا انحرفت النفس من خلق الرحمة انحرفت إلى قسوة قلب، وإما إلى ضعف قلب وجبن، كمن لا يقدم على ذبح شاة ولا إقامة حد ولا تأديب ولد، ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك. وقد ذبح أرحم الخلق بيده صلى الله عليه وسلم في موقف واحد وثلاثمائة وستين بدنة وقطع الأيدي من الرجال والنساء، وضرب الأعناق، وأقام الحدود ورجم بالحجارة حتى مات المرجوم. وكان أرحم الناس أجمعين على الإطلاق وأرأفهم.

فالعبد المطيع لله إذا سمع بأسير من أسراء المسلمين في أرض العدو رحمه وبذل نفسه وماله في تخليصه، فمن باب الأولى أنه إذا رأى أخاه مأسوراً في نفسه وشيطانه وهما أعداء عدوه أن يجتهد في خلاصه. واستنقاذه منها، فإن أعراض عنه وتركوه وأسره كان ذلك من جهله بالله – تعالى – وبأموره. الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد الرحمن بن أبي بكر بن داود– ص: ٤١٠


(١) ((القرطبي تفسير الفتح، آية ٢٩)) (١٦/ ٢٩٣).
(٢) رواه البخاري (١٢٨٤)، ومسلم (٩٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>