[الفصل الخامس: مذهب أهل السنة والجماعة في القدر]
بيان المذهب الحق في القدر ونقصد بذلك مذهب السلف، وأهل السنة والجماعة، من الصحابة والتابعين، وتابعيهم إلى يوم القيامة، وهم الذين كانوا على الحق سائرين وهم الذين ثبتوا على طريق الهدى والرشاد حين بدأت بذور الفتن والفرقة تدب بين المسلمين, فنشأت هذه النحل والمقالات الفاسدة وصار لها دعاتها ومؤيدوها ومناصروها، وأصبحت كل فرقة تدعي أنها على الحق، وتستدل لأقوالها بأدلة من الكتاب والسنة، تزعم أنها تؤيد ما ذهبت إليه, بل قد تنسب أقوالها ومذاهبها إلى بعض الصحابة وكبار التابعين, وكان من آثار ذلك أن اختلطت المفاهيم، وضل فئام من الناس عن منهج الله المستقيم بكامله, أو في جانب من جوانب العقيدة.
أما أهل الحق فقد ثبتوا عليه، رغم المحن والشدائد وهب العلماء من السلف يبينون للناس العقيدة الصحيحة، ودلائلها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ويردون على أهل الأهواء مذاهبهم وعقائدهم الفاسدة، ويدحضونها بالعلة وبالرهان، ويبينون ما هي عليه من زيف وباطل, وجاهد علماء السلف في ذلك، حتى نصرهم الله وأيدهم, فبقي مذهبهم هو مذهب عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبقيت عقيدة السلف متميزة واضحة تمام الوضوح، يتلقاها الخلف عن السلف، أما النحل والأهواء الفاسدة، فإنها وإن بقيت، وبقي لها مؤيدوها إلا أن ما فيها من باطل قد وضح للناس والحمد لله رب العالمين.
وعقيدة أهل الحق من السلف في القدر واضحة صحيحة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قد جلاها ووضحها علماء السلف رضوان الله عليهم ... وأنهم يؤمنون بالقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله تعالى.
١ - وهو يشمل أربع مراتب في درجتين:
الدرجة الأولى:
أن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً, وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق, فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, جفت الأقلام وطويت الصحف.
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً, فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء, وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً, فيؤمر بأربع كلمات فيقال له: اكتب رزقه، وأجله، وعمله وشقي أو سعيد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى: العلم، والثانية: الكتابة.
الدرجة الثانية: مشيئة الله النافذة, وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى, لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات, فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه فلا خالق غيره, ولا رب سواه, ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته, وطاعة رسله, ونهاهم عن معصيته, وهو سبحانه يحب المتقين, والمحسنين, والمقسطين, ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء, ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى الإرادة والمشيئة والثانية: الخلق والتكوين.
٢ - أما أفعال العباد فهي داخلة في المرتبة الرابعة، ومذهب السلف فيها: أن الله خالق أفعال العباد، والعباد فاعلون حقيقة، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود – بتصرف – ص: ٢٤٧ - ٢٤٨