للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان]

وهي عدة عوامل:

أولاً- الجهل وهو ضد العلم:

فهذا من أعظم أسباب نقص الإيمان، كما أن العلم من أعظم أسباب زيادته، فالمسلم العالم لا يؤثر محبة وفعل ما يضره ويشقى به ويتألم به على ما فيه نفعه وفلاحه وصلاحه، أما الجاهل فإنه لفرط جهله وقلة علمه فإنه قد يؤثر مثل هذه الأشياء على ما فيه فلاحه وصلاحه، وذلك لانقلاب الموازين عنده ولضعف التصور فيه، فالعلم أصل لكل خير، والجهل أصل لكل شر.

ومحبة الظلم والعدوان وارتكاب الفواحش واقتراف المناهي سببه الأول هو الجهل وفساد العلم، أو فساد القصد، وفساد القصد من فساد العلم، فالجهل وفساد العلم هو السبب الرئيس والأول في فساد الأعمال ونقص الإيمان.

قال ابن القيم: (وقد قيل: إن فساد القصد من فساد العلم وإلا فلو علم ما في الضار من المضرة ولوازمها حقيقة العلم لما آثره، ولهذا من علم من طعام شهي لذيذ أنه مسموم فإنه لا يقدم عليه، فضعف علمه بما في الضار من وجوه المضرة، وضعف عزمه عن اجتناب ما يوقعه في ارتكابه، ولهذا كان الإيمان بحسب ذلك، فإن المؤمن بالنار حقيقة الإيمان حتى كأنه يراها، لا يسلك طريقها الموصلة إليها، فضلاً عن أن يسعى فيها بجهده، والمؤمن بالجنة حقيقة الإيمان لا تطاوعه نفسه أن يقعد عن طلبها، وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه فيما يسعى فيه في الدنيا من المنافع، أو التخلص منه من المضار) (١).

فالنفس تهوى ما يضرها ولا ينفعها لجهلها بمضرته ولهذا فإن من يتأمل القرآن الكريم، يجد فيه أعظم إشارة إلى أن الجهل هو سبب الذنوب والمعاصي.

قال تعالى: قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: ١٣٨].

وقال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل: ٥٤ - ٥٥].

وقال تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ [الزمر: ٦٤].

وقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ٣٣].

وغيرها من النصوص الدالة على أن ما وقع فيه الناس من شرك وكفر وفجور وارتكاب للمعاصي أعظم أسبابه الجهل بالله وبأسمائه وصفاته وبثوابه وعقابه.

ولهذا فإن كل من عصى الله واقترف شيئا من الذنوب فهو جاهل، كما جاء ذلك عن السلف الصالح في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء: ١٧]، وقوله: وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام: ٥٤]، وقوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل: ١١٩].


(١) ((إغاثة اللهفان)) (٢/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>