للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه]

يلاحظ الباحث في آيات القرآن الكريم أن الآيات التي جاءت في ذم الفرقة أكثر عدداً من الآيات التي جاءت في الحث على الجماعة، ولا غرابة في ذلك لأن الجماعة هي الأصل وملازمتها هو الواجب والمطلوب، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، فلذلك جاءت الآيات الكثيرة التي تحذر منه وتحمل في ثناياها الوعيد الشديد لمن ترك الجماعة وفارقها.

وفيما يلي ذكر هذه الأدلة:

الدليل الأول:

قوله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران: ١٠٥ - ١٠٧].

قال ابن جرير رحمه الله يعني بذلك جل ثناؤه: (ولا تكونوا يا معشر الذين آمنوا كالذين تفرقوا من أهل الكتاب، واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البينات، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه، فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمر الله، ونقضوا عهده وميثاقه، جرأة على الله، وأولئك لهم يعني ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذاب من عند الله عظيم، يقول جل ثناؤه: "فلا تفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم) (١).

ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ [آل عمران: ١٠٥]: ونحو هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله) (٢).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: (ينهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم) (٣).

ثم ساق الإمام ابن كثير رحمه الله حديث الافتراق الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله ثم قال: (وقد ورد هذا الحديث من طرق) وذلك إشارة إلى توثيقه وتقويته.

وقال القرطبي رحمه الله: (فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية، والخبر كما بينا، ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. وقد قال ابن القاسم: وقد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء. وكان يقول: تمام الإخلاص تجنب المعاصي) (٤).


(١) ((جامع البيان)) (٤/ ٣٩).
(٢) ((جامع البيان)) (٤/ ٣٩).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) (١/ ٣٩٠).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٤/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>