للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم]

سبق أن شيخ الإسلام ينسب إلى جهم أن الإيمان هو المعرفة، أو التصديق، ويقرر أن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد التصديق الخالي من الانقياد، أمر دقيق، وأكثر العقلاء ينكرونه.

كما أنه نسب إلى الأشعري في أحد قوليه، وإلى أكثر أصحابه أنهم نصروا قول جهم في الإيمان، وسمى من هؤلاء: الباقلاني، والجويني، والرازي.

لكن هل ينطبق هذا على متأخري الأشاعرة؟ وهل يثبتون تصديقا مجردا من أعمال القلوب؟

والحق أن الناظر في كتب هؤلاء المتأخرين يتبين له أنهم لا يثبتون تصديقا مجردا عن أعمال القلوب، بل يدخلون في التصديق: الإذعان والانقياد والقبول والرضى، ويفرقون بينه وبين المعرفة التي أثبتها جهم، كما أنهم يقررون كفر كثير من المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يعرفون الحق ولا ينقادون له.

ومن أقوالهم في تعريف التصديق:

قال في (إتحاف المريد): (وهو تصديق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة ... والمراد من تصديقه صلى الله عليه وسلم: قبول ما جاء به مع الرضا بترك التكبر والعناد، وبناء الأعمال عليه، لا مجرد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له، حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا عالمين بحقيقة نبوته عليه الصلاة والسلام وما جاء به، لأنهم لم يكونوا أذعنوا لذلك ولا قبلوه ولا بنوا الأعمال الصالحة عليه، بحيث صار يطلق عليه اسم التسليم كما هو مدلوله الوضعي) (١).

وقال البيجوري: (والمراد بتصديق النبي في ذلك: الإذعان لما جاء به والقبول له، وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، مصداق ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ [البقرة:١٤٦] قال عبد الله بن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني، ومعرفتي لمحمد أشد) (٢).


(١) ((إتحاف المريد)) (ص٨٧ - ٩١)، وعلق ابن الأمير في حاشيته على قوله: (وبناء الأعمال عليه) فقال: (فيه أن هذا لا يتوقف عليه أصل الحقيقة، فإن حمل على اعتقاد البناء لم يكن زائدا على ما قبله) انتهى.
(٢) ((شرح البيجوري)) (ص٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>