للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس]

ومن الأدلة أيضًا أن النزوع إلى تنصيب رئيس للجماعة أمر فطري، جبل الله الخلق عليه، حيث إن الإنسان مدني بالطبع - كما يقال - فهو لا يستطيع أن يعيش بمفرده وحيدًا مستقلاً عن أخيه الإنسان الآخر، بل لا بد أن يعيش مع الناس حتى تستقيم أمور حياته، وتتحقق مصالحه، ونتيجة لمخالطة الناس الآخرين قد تتعارض مصالحهم مع مصالحه، ويحدث الاحتكاك بينه وبينهم ويحصل التنازع، فلا بد من أمير يختصم إليه الناس، ويرتضونه ليحكم في منازعتهم وخصوماتهم، ومن هنا كان تنصيب الإمام أمرًا ضروريًا للمحافظة على حقوق الناس، وضمان استقرار الحياة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتناصر، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع، فإذا جمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، وللناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه، فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين، فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم. مصيبين تارة ومخطئين أخرى) اهـ. (١)

والسلطة المسيرة للمجتمع هذه هي إحدى الأركان المكونة لأي مجتمع كان (٢)، فلا يمكن أن يقوم أي مجتمع ما لم تكتمل أركانه.

وقديمًا قال الشاعر صلاءة بن عمر بن مالك الأفوه الأودي (٣):

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وقال قبل هذا البيت:

والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... يومًا، فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

والنزوع إلى اتباع قائد معين ليس مما فطر الله عليه بني الإنسان فحسب، بل يشاركهم في ذلك بعض الحيوانات وحتى الحشرات، فأنت ترى الإبل تكون عادة تابعة لقائدها (الجمل الفحل) تتبعه حيث سار، ولذلك لا يهتم راعي الإبل إلا بتوجيه هذا القائد، ومن ثم تتبعه البقية، أما الحشرات فلا أدل من بروز تلك الفطرة منها عند النحل الذي يتخذ له (ملكًا) (٤) من سلالة معينة يقوم بحمايته وتوفير ما يحتاجه، ويتبعه حيث كان. فما بالك بالإنسان الذي منحه الله العقل، وجعله يدرك الخطأ من الصواب، ويعرف ما ينفعه مما يضره. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي - بتصرف – ص ٤٥


(١) [١٢٩٣٦])) ((الحسبة)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: ٨)
(٢) [١٢٩٣٧])) فالمجتمع مكون من أفراد وصلات اجتماعية يحددها العرف وقوانين مرسومة وأنظمة متبعة وسلطة تسير أمور المجتمع، وفوق هذا كله وأهم من هذا كله شعور بالانتماء إلى هيئة واحدة وجماعة واحدة وعقيدة يشترك جميع الأفراد في احترامها والحفاظ عليها. ((المجتمع الإسلامي)) لمحمد أمين المصري (ص: ٧).
(٣) [١٢٩٣٨])) انظر: ((ديوان الأفوه الأودي ضمن مجموعة: الطرائف الأدبية)) (ص: ١٠).
(٤) [١٢٩٣٩])) انظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>