للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى]

١ - الطهارة:

- إذا كان الإسلام وسطاً بين الملل، فإن أهل السنة وسط بين النحل؛ ففي الطهارة كان الإسلام وسطاً بين تشدد اليهود وتفريط النصارى، كما أن أهل السنة وسط بين الإفراد والتفريط في هذا الباب.

يبين شيخ الإسلام وسطية الإسلام في باب الطهارة قائلاً: (فإن التشديد في النجاسات جنساً وقدراً هو دين اليهود، والتساهل هو دين النصارى، ودين الإسلام هو الوسط) (١).

ويقول في موضع آخر: (ومن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين، وجد اليهود والنصارى متقابلين: هؤلاء في طرف، وهؤلاء في طرف يقابله، والمسلمون هم الوسط ... إلى أن قال: فالنصارى حللوا الخنزير وغيره من الخبائث. كما أسقطوا الختان وغيره، وأنواع الطهارة من الغسل وإزالة النجاسة وغير ذلك. واليهود بالغوا في اجتناب النجاسات) (٢).

وأما عن وسطية أهل السنة بين الإفراط والتفريط الواقع عند طوائف المبتدعة، فأهل السنة مجانبون للتشدد والإفراط، فيأمرون بالصلاة في النعال مخالفة لليهود (٣)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) (٤).

وقال ابن القيم: (ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين: الصلاة في النعال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلاً منه وأمراً) (٥).

ويجيز أهل السنة الصلاة في السراويل خلافاً للخوارج.

قال البربهاري: (ولا بأس بالصلاة في السراويل) (٦).

وقال الملطي: (ومن شذوذ الحرورية في الفروع إذا تطهر منهم الرجل لا يبرح ولا يمشي حتى يصلي في مكانه؛ لأنه إذا مشى تحرك شرجه، ولا يصلون في السراويل) (٧).

وجانب أهل السنة تعنت الرافضة الذين زعموا أن سؤر الكافر نجس، بل قالوا بتنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة، وكل ذلك تأثراً باليهود السامرة التي تحرم وتنجس ما باشره غيرهم من المائعات (٨).

ومن تشدد الرافضة: إيجابهم الابتداء باليمين في اليدين والرجلين عند الوضوء (٩)، ولذا قال الإمام النووي: (وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة، ولو خالفها فاته الفضل وصح الوضوء، وقال الشيعة هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة) (١٠).

كما جانب أهل السنة أيضاً التفريط في باب الطهارة؛ فالرافضة – مثلا- خالفوا الأدلة في اعتبار المذي من موجبات الوضوء، فحكم الرافضة بطهارة المذي وعدم انتقاض الوضوء بخروج المذي (١١).


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٢١/ ١٨، ١٩)، وانظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٨٨).
(٢) ((الجواب الصحيح)) (٢/ ٥٢، ٥٣) = باختصار، وانظر: ((منهاج السنة النبوية)) (٥/ ١٧١).
(٣) انظر: ((اقتضاد الصراط المستقيم)) (١/ ١٨١)، و ((مجموع الفتاوى)) (٢٢/ ١٦٦).
(٤) [١٤٢٥٧])) رواه أبو داود (٦٥٢) , والحاكم (١/ ٣٩١) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٢/ ٤٣٢) , من حديث شداد بن أوس, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٢/ ١٣١): لا مطعن في إسناده, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٥) ((إغاثة اللهفان)) (١/ ٢٣٠، ٢٣١).
(٦) ((شرح السنة)) (ص: ٢٧).
(٧) ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (٣/ ١٦٠).
(٨) انظر تفصيل ذلك في ((منهاج السنة النبوية)) (١/ ٣٧، ٥/ ١٧٤)، و ((فقه الشيعة الإمامية)) لعلي السالوس (ص: ٧٧).
(٩) انظر: ((فقه الإمامة)) لعلي السالوس (ص: ٩٤).
(١٠) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٣/ ١٦٠).
(١١) انظر: ((مختصر التحفة الإثني عشرية)) للآلوسي (ص: ٢١٢)، و ((فقه الإمامية)) للسالوس (ص: ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>