للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن]

في الجن قبائل وأقوام كما هو الأمر عند الإنس، فقد أخبر القرآن أن للجن أقواماً، قال تعالى إخباراً عن النفر الذين استمعوا للقرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام ثم ولوا إلى قومهم منذرين: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف: ٣١]. قال ابن منظور: (والقوم الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء، ويقوي ذلك قوله تعالى: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ [الحجرات: ١١] أي رجال من رجال، ولا نساء من نساء ... ) وقال: (وقوم كل رجل: شيعته وعشيرته .. وفي الحديث: ((إن نسَّاني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم, وليصفق النساء)) (١). قال ابن الأثير: القوم في الأصل مصدر قام، ثم غلب على الرجال دون النساء، ولذلك قابلهن به، وسموا بذلك، لأنهم قوامون على النساء بالأمور التي ليس للنساء أن يقمن بها وقال الجوهري: القوم: الرجال دون النساء لا واحد له من لفظه، قال: وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع، لأن قوم كل نبي، رجال ونساء) (٢).

وعلى هذا فإن قول النفر من الجن: (يا قومنا) يفيد أن لكل نفر من الجن قوماً ينتسبون إليه، فإن هؤلاء النفر من الجن انطلقوا إلى شيعتهم وعشيرتهم ينذرونهم، وأولى الناس بالإنذار الأهل والعشيرة، كما قال تعالى لنبيه عليه السلام: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤].

وفي رواية عن ابن مسعود في خبر الجن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد، أنه ((قام إليه عليه السلام رجلان من الجن، فسألاه المتاع، فقال: ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكم؟ قالوا: بلى، ولكننا أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة، فقال: ممن أنتما؟ قالا: نحن من أهل نصيبين، قال: قد أفلح هذان وأفلح قومهما، فأمر لهما بالروث والعظام طعاماً ولحماً)) (٣).

فقوله عليه الصلاة والسلام: ((أفلح هذان وأفلح قومهما)) فيه دليل على أن لكل منهما قوماً ينتسب إليه.

وفي رواية عن ابن مسعود قال: ((استتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الجن خمسة عشر، بني أخوة, وبني عم, يأتونني الليلة، فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد، فخط لي خطاً وأجلسني فيه)) الحديث. (٤)

فقد دل الحديث على أن الذين أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا أقرباء لبعضهم بعضاً، تماماً كما هو الأمر عند الإنس.


(١) رواه أبو داود (٢١٧٤)، وأحمد (٢/ ٥٤٠) (١٠٩٩٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال شعيب الأرناؤوط محقق المسند: إسناده ضعيف لجهالة الطفاوي وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين ولبعض قطع هذا الحديث طرق وشواهد تقويه.
(٢) ((لسان العرب)) (١٢/ ٤٩٦).
(٣) رواه الطبراني (١٠/ ٦٣) (٩٩٦٢). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٣١٧): رواه الطبراني وفيه أبو زيد وقيس بن الربيع أيضا وقد ضعفه جماعة.
(٤) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٩/ ١٧) (٨٩٩٥). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٢١٥): فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وبقية رجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>