للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء الحسنى]

مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء الحسنى هو مذهبهم في الصفات عموماً. وذلك أن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات. فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى.

والذي درج عليه سلف الأمة ومن تابعهم بإحسان واتفقوا عليه هو: الإقرار والتصديق لآيات الأسماء الصفات وأحاديثها، وإمرارها كما جاءت وإثباتها، دون تشبيه, أو تعطيل, أو تحريف, أو تأويل.

وإليك بعض النقول عنهم التي تثبت ذلك:

١ - قال أحمد الدروقي: سمعت وكيعاً يقول: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ولا نقول كيف كذا، ولا لم كذا، يعني مثل حديث: (يحمل السماوات على إصبع) (وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) (١).

٢ - عن يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال:

(لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه, وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها، لأن القرآن نزل بها, وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه العدول.

فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها.

وتثبت هذه الصفات وينفى عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١]) (٢).

٣ - وقال في الرسالة: ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه, وفوق ما يصفه به خلقه (٣).

٤ - وعن محمد بن إسماعيل الترمذي: سمعت نعيم بن حماد يقول:

(من شبه الله بخلقه فقد كفر. ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً) اهـ (٤).

وقال الترمذي بعد روايته لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه, فيربيها لأحدكم كما يربى أحدكم مهرة .. )) (٥) الحديث.

(وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا, ويؤمن بها, ولا يتوهم ولا يقال كيف.

هكذا روي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذا الحديث: أمروها بلا (كيف)، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة) (٦).

وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه.

وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير موضع من كتابه اليد, والسمع, والبصر, فتأولت الجهمية هذه الآيات, وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده. وقالوا: إنما معنى اليد القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم (هو ابن راهويه): إنما يكون التشبيه إذا قال:


(١) رواه عبدالله بن أحمد في ((السنة)) (١/ ٢٦٧).
(٢) رواه ابن قدامة في ((إثبات صفة العلو)) (ص: ١٢٤).
(٣) ((الرسالة)) (ص: ٦).
(٤) رواه الذهبي في ((العلو)) (ص: ٧٥)، وصححه الألباني في ((مختصر العلو)).
(٥) رواه الترمذي (٦٦٢)، وأحمد (٢/ ٤٧١) (١٠٠٩٠)، والبخاري في ((العلل الكبير)) (١٠٧). وقال: [روي] عن عائشة وعن أبي هريرة أصح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٢/ ١١٩). والحديث أصله في البخاري ومسلم.
(٦) ((سنن الترمذي)) (٣/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>