[المبحث الأول: العذر بالجهل]
الجهل نوعان:
جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئاً عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي، وما كان ناشئاً عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه فإن كان منتسباً إلى الإسلام، لم يضره، وإن كان منتسباً إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح، يمتحن، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.
فعلى هذا من نشأ ببادية بعيد ليس عنده علماء ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب، فهذا يعذر، وله أمثلة:
منها: رجل بلغ وهو صغير وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئاً، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابه، فهذا لا نأمره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها من تسأل ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة، فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي.
وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة، فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة، فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – ١/ ٢٠٤
إن من شروط الإيمان عند أهل السنة والجماعة وجود العلم والمعرفة عند الشخص المؤمن به؛ لذا فمن أنكر أمراً من أمور الشرع جاهلاً به، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله؛ فإنه لا يكفر؛ حتى لو وقع في مظهر من مظاهر الشرك أو الكفر:
لأنه لم يكن يعلم بهذا المكفر قبل إسلامه. أو يعيش في بلد فاش فيه الجهل، أو بعيد عن ديار العلم وأهله، أو نشأ في بلد انقلبت فيه موازين الشرع؛ فصار الشرك فيه هو التوحيد، والبدعة فيه هي السنة، وكثر فيه الانحراف، وزين فيه الباطل والكفر، ولبس عليهم. أو أنه وقع في المكفر وهو غير قاصد له، أو أن هذا المكفر من المسائل الخفية التي لا يطلع عليها إلا العلماء.
فمثل هذا الشخص لا يستحق العقوبة حتى تقام عليه الحجة؛ لأن الجهل ببعض الأمور العقدية قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم يكفرهم صلى الله عليه وسلم.
وأهل السنة والجماعة؛ يراعون اختلاف أحوال الناس، وأماكنهم وزمانهم؛ من حيث انتشار العلم، أو عدم انتشاره، لأنهم لا يشتركون جميعاً في معرفة الأمور الضرورية على درجة واحدة؛ بل قد يعرف البعض ما لا يعرفه الآخرون؛ أو قد يكون بعض المسائل من المسلمات عند البعض مع أن غيرهم يجهلها.
ومع هذا فلا يعني أن الجهل عندهم عذر مقبول لكل من ادعاه؛ فالجهل عندهم درجات مختلفة، فجهل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، غير جهل ما دونه.
والجاهل العاجز عن السؤال والعلم؛ غير الجاهل المتمكن المفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله تعالى.
وكون الرجل يعذر بالجهل عندهم لا يعني ذلك إبقاء منزلته كما هي؛ بل تنحط منزلته، وينقص إيمانه بقدر بعده عن الحق. الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري–ص: ٢٦٥