لا تقف مهمّة الرسل عند حدّ بيان الحقِّ وإبلاغه، بل عليهم دعوة الناس إلى الأخذ بدعوتهم، والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً، وهم في ذلك ينطلقون من منطلق واحد، فهم يقولون للناس: أنتم عباد الله، والله ربكم وإلهكم، والله أرسلنا لنعرفكم كيف تعبدونه، ولأننا رسل الله مبعوثون من عنده، فيجب عليكم أن تطيعونا وتتبعونا، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥]. وكل رسول قال لقومه: فَاتّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء: ١٠٨، ١٢٦، ١٤٤، ١٥٠، ١٦٣، ١٧٩].
وقد بذل الرسل في سبيل دعوة الناس إلى الله جهوداً عظيمة، وحسبك في هذا أن تقرأ سورة نوح لترى الجهد الذي بذله على مدار تسعمائة وخمسين عاماً، فقد دعاهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، واستعمل أساليب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وحاول أن يفتح عقولهم، وأن يوجهها إلى ما في الكون من آيات، ولكنهم أعرضوا، قَالَ نُوحٌ رّبّ إِنّهُمْ عَصَوْنِي وَاتّبَعُواْ مَن لّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاّ خَسَاراً [نوح: ٢١]. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ٤٥