للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: موت النبي صلى الله عليه وسلم]

من أشراط الساعة موت النبي صلى الله عليه وسلم, ففي الحديث عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي)) (١) الحديث.

فقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي وقعت على المسلمين, فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة رضي الله عنهم عندما مات عليه الصلاة والسلام.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا) (٢).

قال ابن حجر: (يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب) (٣).

فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء كما في جواب أم أيمن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم عندما زاراها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم, فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: (ما يبكيك ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم, ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها) (٤).

فقد مات عليه الصلاة والسلام كما يموت الناس لأن الله تعالى لم يكتب الخلود في هذه الحياة الدنيا لأحد من الخلق, بل هي دار ممر لا دار مقر كما قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: ٣٤ - ٣٥]. إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أن الموت حق, وأن كل نفس ذائقة الموت، حتى ولو كان سيد الخلق وإمام المتقين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وكان موته كما قال القرطبي: (أول أمر دهم الإسلام .. ثم بعده موت عمر فبموت النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه) (٥). أشراط الساعة ليوسف الوابل - ٦٤


(١) رواه البخاري (٣١٧٦).
(٢) رواه الترمذي (٣٦١٨)، وابن ماجه (١٣٣٢)، وأحمد (٣/ ٢٦٨) (١٣٨٥٧). قال الترمذي: غريب صحيح، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٣٩): إسناده على شرط الصحيحين. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) ((فتح الباري)) (٨/ ١٤٩).
(٤) رواه مسلم (٢٤٥٤).
(٥) ((التذكرة)) (ص: ٧١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>