للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: قدراتهم]

أعطى الله الملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم، فقد أرسل الله جبريل إلى مريم في صورة بشر: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم: ١٦ - ١٩].

وإبراهيم - عليه السلام - جاءَته الملائكة في صورة بشر، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ [هود: ٦٩ - ٧٠].

وجاؤوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه، وضاق لوط بهم، وخشي عليهم قومه، فقد كانوا قوم سوء يفعلون السيئات، ويأتون الذكران من العالمين: وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود: ٧٧].

يقول ابن كثير) تبدى لهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحاناً واختباراً, حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ((١).

وقد كان جبريل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي (صحابي كان جميل الصورة)، وتارة في صورة أعرابي.

وقد شاهده كثير من الصحابة عندما كان يأتي كذلك.

في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام)) (٢). وفي الحديث أنه سأله عن الإيمان, والإحسان, والساعة وأماراتها.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل، جاء يعلم الصحابة دينهم.

((ورأت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم واضعاً يده على معرفة فرس دحية الكلبي يكلمه، فلما سألته عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل، وهو يقرئك السلام)) (٣).

وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، وأنه لما هاجر تائباً جاءه الموت في منتصف الطريق إلى الأرض التي هاجر إليها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فحكّموا فيه ملكاً جاءَهم في صورة آدمي، يقول عليه السلام: ((فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له)) (٤)، ولا بدّ أنهم حكموه بأمر الله، فأرسل الله لهم هذا الملك في صورة آدمي، والقصة في صحيح مسلم، في باب التوبة. عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر – ص: ٢٠


(١) ((البداية والنهاية)) (١/ ٤٢).
(٢) رواه مسلم (٨).
(٣) رواه أحمد (٦/ ٧٤) (٢٤٥٠٦). قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٣/ ١٠٥): إسناده حسن في الشواهد.
(٤) رواه مسلم (٢٧٦٦). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>