[الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد]
إذا ازدحمت المفسدتان ارتكب أيسرهما لدفع أشرهما .. هذا في حال التفاوت والذي يبنى على ما تقدم.
قال في المراقي: (وارتكب الأخف من ضرين (١) ......
ومن صور هذه القاعدة: وجود هذه المراكز الإسلامية الصيفية للنساء فهو لا يخلو من مفاسد كتعود المرأة على الخروج من المنزل، وفتح الباب لأهل الشر لفتح مراكز شيطانية ونحو ذا من الأمور المحذورة!!
ولكن في هذا العصر الذي دخل فيه الشر كل بيت –إلا من رحم الله- وتفنن فيه دعاة الفساد بشتى الأساليب .. وبقيت كثير من بنات المسلمين تحت تأثيرهم وما ينشرون من منكر وفساد .. فانشغال هؤلاء النساء بأمور خيرة خير من بقائهن فريسة لهؤلاء، فالأمر لم يعد كالسابق، إذ المرأة اليوم تشاهد التلفاز، وتقرأ الصحف والمجلات، وتخرج إلى العمل أو المدرسة .. فلابد وأن تعرف الشر وتشاهده.
وحينما نقر أمثال تلك المراكز إنما ذلك بشروط وضوابط تلائم الحال والواقع .. كأن يكون الوقت معقولاً لا طول فيه .. وأن لا يكون في جميع الأيام بل في يومين أو ثلاثة من الأسبوع .. وأن تعلم فيه النساء القرآن وما يناسب حالهن من معرفة أمور الطهارة والحيض والصلاة والصوم والزكاة والحج.
ويعلمن تربية الأولاد على وفق تعاليم الشرع ونحو ذلك من الأمور الهامة لهن .. وأن يكون الإشراف على هذه الأماكن من قبل ذوي الكفاءة والديانة.
هذا لمن دعت الحاجة لمشاركتها في ذلك إما للحاجة إلى تعليمها وإرشادها، وإما لحاجتها هي بحيث لم يتوفر لها من يربيها على الإسلام ويعلمها ما تحتاج إليه، فتستغني عن مثل هذا الخروج.
أما عدا هذين الصنفين من النساء فيبقين في بيوتهن.
وهذا كله مخرج على قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وإنما يكون ذلك إذا كان لابد من الوقوع في أحدهما لا محالة، أما إذا أمكن تلافيهما فالأمر يجري على قاعدتين هما:
الأولى: (الضرر يزال).
والثانية: (الضرر لا يزال بالضرر).
فاقتحام النساء المسلمات مجالات الطب بحجة ارتكاب أخف الضررين غلط ظاهر، لأن هناك وسيلة ثالثة غير ما يظن البعض! ومثل هذا يقال في تعليم أهل الصلاح لهن وجهاً لوجه، بحجة ارتكاب أخف الضررين، لئلا يدرسهن رجل فاسق! فهذا غير صحيح، بل يفصل الجميع عنهن ويعلمن بأسلوب آخر دون رؤيته لهن.
ومن صور ذلك إشغال من تعلق بالأغاني وسماعها بالقصائد التي تحمل المعاني الطيبة، حتى تنصرف نفسه عن ذلك الغناء، إن كان لا يتركه إلا بمثل هذا؛ مع أنه قد يشتغل بهذه القصائد عن قراءة القرآن أو الذكر.
ومن صور ذلك دفع أشرطة (الفيديو) التي تحمل مواد طيبة لمن تعلق بالتلفاز تعلقاً ميؤوساً من مفارقته .. فيعطى أمثال تلك الأشرطة وإن كان المعطي يرى أن تلك الصور التي تظهر فيه من قبيل المحظور.
ولا يحتج على هذا بقاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) لأن القاعدة ليس هذا محلها فالضرر الأصل فيه قاعدة (الضرر يزال) وأنه (لا يزال بالضرر) هذا فيما إذا كانت إزالته بغيره ممكنة .. أما في مثل تلك الصور والتي لابد فيها من الوقوع في أحد المفسدتين فإن القاعدة التي يجب إعمالها هي (ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما). كما مر بك في الأمثلة السابقة.
ومن صور هذه القاعدة: القول بالتحالف مع بعض أصحاب البدع أو المناهج الدعوية التي تحمل بعض المخالفات في سبيل مواجهة العدو الجاثم في البلاد أو المهاجم لها، مع استمرار النصح والتعليم، شريطة أن لا يصل أمر هؤلاء –أعني الذين نحالفهم- إلى الكفر كالإسماعيلية ومن كان على شاكلتهم من الروافض والعلمانيين.
(١) انظر: ((مراقي السعود إلى مراقي السعود)) (ص: ١١٧).