للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: شفاعة الولدان]

ومن الشفاعات الثابتة ما جاء في شفاعة الولدان في آبائهم وأمهاتهم إذا احتسبوهم عند الله تعالى بنية صادقة، رحمة من الله تعالى وكرماً منه، ليجبر قلوب الآباء والأمهات بما لحقهم من فقد أولادهم.

ومن الأدلة على ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم)) (١).

وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: ((لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة, فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين)) (٢).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعل لنا يوماً، فوعظهن، وقال: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا له حجاباً من النار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان وفي رواية: لم يبلغوا الحنث)) (٣).

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)) (٤).

وعن أبي هريرة قال: ((جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها فقالت: يا رسول الله, إنه يشتكي, وإني أخاف عليه؛ قد دفنت ثلاثة. قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار)) (٥).

وأورد مسلم أيضاً رواية أخرى عن أبي هريرة بمعنى ما تقدم (٦).

وعن أبي حسان قال: ((قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه – أو قال أبويه – فيأخذ بثوبه – أو قال: بيده – كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى – أو قال: فلا ينتهي – حتى يدخله الله وأباه الجنة)) (٧).

وعن شرحبيل بن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يقال للولدان يوم القيامة: أدخلوا الجنة قال: فيقولون: يا ربنا حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا. قال: فيأبون. قال: فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين، ادخلوا الجنة. قال: فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا. قال: فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم)) (٨).

وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح سوى شرحبيل وهو ثقة (٩).

وهذا الموقف من الأبناء لوالديهم هو كرد الجميل إليهم حيث كانوا في الدنيا يولونهم العطف والشفقة.

ولهذا جاء في الحديث أن امرأة أعتقت من النار وأدخلت الجنة بمجرد حصول عطف منها على ابنتين لها؛ حيث أطعمتهما وصبرت هي على الجوع، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ, فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً, وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا, فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ)) (١٠).


(١) رواه البخاري (١٢٥١)، ومسلم (٢٦٣٢).
(٢) رواه مسلم (٢٦٣٢).
(٣) رواه البخاري (١٢٤٩)، ومسلم (٢٦٣٣).
(٤) رواه البخاري (١٣٨١).
(٥) رواه مسلم (٢٦٣٦).
(٦) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٦/ ٤٨٦).
(٧) رواه مسلم (٢٦٣٥).
(٨) رواه أحمد (٤/ ١٠٥) (١٧٠١٢). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٨٦): رجاله رجال الصحيح غير شرحبيل وهو ثقة.
(٩) ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (١٠/ ٣٨٦).
(١٠) رواه مسلم (٢٦٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>