للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

أجمع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحل والعقد الذين يعتدّ بإجماعهم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه والاسترجاع على تلك المصائب التي أصيبت بها هذه الأمة والاستغفار للقتلى من الطّرفين والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر مناقبهم، عملاً بقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:١٠] الآية، واعتقاد أنّ الكلّ منهم مجتهدٌ إن أصاب فله أجران، أجرٌ على اجتهاده وأجرٌ على إصابته، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد والخطأ مغفور، ولا تقول إنّهم معصومون بل مجتهدون إمّا مصيبون وإمّا مخطئون لم يتعمّدوا الخطأ في ذلك. وما روي من الأحاديث في مساويهم الكثير منه مكذوب، ومنه ما قد زيد فيه أو نقص منه وغيّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون. معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي – ٣/ ١٣٩٨

فالصحابة رضي الله عنهم وقعت بينهم بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزاعات، واشتد الأمر بعد مقتل عثمان، فوقع بينهم ما وقع، مما أدى إلى القتال.

وهذه القضايا مشهورة، وقد وقعت بلا شك عن تأويل واجتهاد كل منهم يظن أنه على حق، ولا يمكن أن نقول: إن عائشة والزبير بن العوام قاتلا علياً رضي الله عنهم أجمعين وهم يعتقدون أنهم على باطل، وأن علياً على حق.

واعتقادهم أنهم على حق لا يستلزم أن يكونوا قد أصابوا الحق.

ولكن إذا كانوا مخطئين، ونحن نعلم أنهم لن يقدموا على هذا الأمر إلا عن اجتهاد، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر)) (١)، فنقول: هم مخطئون مجتهدون، فلهم أجر واحد.

فهذا الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان: الجهة الأولى: الحكم على الفاعل. والجهة الثانية: موقفنا من الفاعل.

- أما الحكم على الفاعل، فقد سبق، وأن ما ندين الله به أن ما جرى بينهم، فهو صادر عن اجتهاد، والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ، فصاحبه معذور مغفور له.

وأما موقفنا من الفاعل، فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم لماذا نتخذ من فعل هؤلاء مجالاً للسب والشتم والوقيعة فيهم والبغضاء بيننا، ونحن في فعلنا هذا إما آثمون وإما سالمون ولسنا غانمين أبدا.

فالواجب علينا تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جرى بين الصحابة وأن لا نطالع الأخبار أو التاريخ في هذه الأمور، إلا المراجعة للضرورة.

ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم؛ منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص عن وجهه الصريح، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.

قسم المؤلف الآثار المروية في مساويهم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما هو كذب محض لم يقع منهم، وهذا يوجد كثيراً فيما يرويه النواصب في آل البيت وما يرويه الروافض في غير آل البيت.

القسم الثاني: شيء له أصل، لكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه.

وهذان القسمان كلاهما يجب رده.

القسم الثالث: ما هو صحيح، فماذا نقول فيه؟ بينه المؤلف بقوله: والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.

والمجتهد إن أصاب، فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم، فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر)) (٢).


(١) رواه البخاري (٧٣٥٢) , ومسلم (١٧١٦) , من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٧٣٥٢) , ومسلم (١٧١٦). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>