للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: يلزم من هذا القول أحد أمرين: إما نسبة الجهل إلى الله تعالى عما يصفون، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى فيها على الصحابة، فإن كان الله عز وجل – تعالى عن قولهم – غير عالم بأنهم سيكفرون ومع ذلك أثنى عليهم ووعدهم الحسنى فهو جهل، والجهل عليه تعالى محال. وإن كان الله عز وجل عالماً بأنهم سيكفرون فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبث. والعبث في حقه تعالى محال (١).

ويتبع ذلك الطعن في حكمته عز وجل، حيث اختارهم واصطفاهم لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام، فجاهدوا معه وآزروه ونصروه واتخذهم أصهاراً له، حيث زوج ابنته ذا النورين عثمان رضي الله عنه، وتزوج ابنتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فكيف يختار لنبيه أنصاراً وأصهاراً مع علمه بأنهم سيكفرون؟!

رابعاً: لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم جهوداً خارقة في تربية الصحابة على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، حتى تكون بفضل الله عز وجل المجتمع المثالي في خلقه وتضحياته وزهده وورعه، فكان صلى الله عليه وسلم أعظم مرب في التاريخ.

ولكن على العكس من ذلك، فإن جماعة تدعي الانتماء إلى الإسلام ونبي الإسلام، تقدم لهذا المجتمع صورة معاكسة، تهدم المجهودات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في مجال التربية والتوجيه، وتثبت له إخفاقاً لم يواجهه أي مصلح أو مرب، خبير مخلص لم يكن مأموراً من الله، كما كان الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الإمامية ترى أن المجهودات الجبارة التي بذلها محمد صلى الله عليه وسلم -لم تنتج إلا ثلاثة أو أربعة- وفقاً لبعض الروايات – ظلوا متمسكين بالإسلام إلى ما بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم أما غيرهم فقد قطعوا صلتهم بالإسلام – والعياذ بالله – فور وفاته صلى الله عليه وسلم وأثبتوا أن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته أخفقت ولم يعد لها أي تأثير.

وهذا الزعم يؤدي إلى اليأس من إصلاح البشرية، وعدم الثقة في المنهج الإسلامي وقدرته على التربية وتهذيب الأخلاق، وإلى الشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الدين الذي لم يستطع أن يقدم للعالم عدداً وجيهاً من نماذج عملية ناجحة بناءة، ومجتمعاً مثالياً في أيام الداعي وحامل رسالته الأول، فكيف يستطيع أتباعه ذلك بعد مضي وقت طويل على عهد النبوة؟!

وإذا كان المؤمنون بهذه الدعوة لم يستطيعوا البقاء على الجادة القومية، ولم يعودوا أوفياء لنبيهم صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فلم يبق على الصراط المستقيم الذي ترك عليه النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه إلا أربعة فقط، فكيف نسلم أن هذا الدين يصلح لتزكية النفوس وبناء الأخلاق؟ وأنه يستطيع أن ينقذ الإنسان من الهمجية والشقاء، ويرفعه إلى قمة الإنسانية؟ بل ربما يقال لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صادقاً في نبوته لكانت تعاليمه ذات تأثير، ووجد هناك من آمن به من صميم القلب، ووجد من بين العدد الهائل ممن آمنوا به بعض المئات الذين ثبتوا على الإيمان، فإن كان أصحابه – سوى بضعة رجال منهم منافقين ومرتدين – فيما زعموا – فمن دام بالإسلام؟ ومن انتفع بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يكون رحمة للعالمين؟! (٢). اعتقاد أهل السنة في الصحابة لمحمد بن عبد الله الوهيبي- بتصرف – ص: ٦٦


(١) انظر: ((إتحاف ذوي الجنابة)) لمحمد بن العربي التباني (ص: ٧٥).
(٢) ((صورتان متضادتان)) للشيخ أبي الحسن الندوي (ص: ١٣، ٥٣، ٥٤، ٥٨، ٩٩) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>