للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته]

ونقصد بذلك تغيير المنكر باليد ككسر الملاهي وإراقة الخمر وإتلاف آنيته إذا لم يمكن ذلك وخلع الحرير، وتكسير الأصنام وتمزيق الصور أو طمسها وإتلاف الكتب والمجلات المضللة ونحو ذلك.

الأصل في تغيير المنكر باليد الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على ذلك.

يقول تعالى حكاية عن إبراهيم –عليه السلام-: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [الأنبياء: ٥٧ - ٥٨] فإبراهيم –عليه السلام- كسر الأصنام بيده.

وقال تعالى حكاية عن موسى –عليه السلام- وَانظُرْ إلى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [طه: ٩٧].

فأخبر –سبحانه وتعالى- عن كليمه موسى –عليه السلام- أنه أحرق العجل الذي عبد من دون الله ونسفه في اليم.

ويقول تعالى آمراً نبيه أن يقول: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: ٨١].

وذلك حينما دخل مكة عام الفتح فأخذ يطعن الأصنام بعود بيده وهو يتلو هذه الآية.

ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده. ويقول وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: ٨١])) (١).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) (٢) الحديث.

فهذا نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)) (٣).

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي ابن كعب من فضيخ زهو تمر فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس فاهرقها فأهرقتها)) (٤).

وفي رواية لمسلم: ((فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرة فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت)) (٥).

وعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما-: قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد فخرجت معه فكنت عن يمينه، وأقبل أبو بكر فتأخرت له فكان عن يمينه وكنت عن يساره فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد، فإذا بزقاق على المربد فيها خمر. قال ابن عمر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية، وما عرفت المدية إلا يومئذ، فأمر بالزقاق فشقت ثم قال لعنت الخمر وشاربها)) (٦) الحديث.

وفي رواية لابن عمر –أيضاً- قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فأرهفت فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال: اغد علي بها ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق خمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها، وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته)) (٧).

فهذه الأحاديث دليل واضح بالقول والفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته على تغيير المنكر باليد. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٥١١


(١) رواه البخاري (٢٤٧٨).
(٢) رواه مسلم (٤٩). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وليس من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٢٢٢٢).
(٤) رواه البخاري (٥٥٨٢)، ومسلم (١٩٨٠).
(٥) رواه مسلم (١٩٨٠).
(٦) رواه أحمد (٢/ ٧١) (٥٣٩٠)، والطبراني (١٠/ ٩٢) (١٠٠٧٦)، والبيهقي (٨/ ٢٨٧) (١٧٧٩٨). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٥٦): رواه كله أحمد بإسنادين في أحدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط، وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وضعفه مكحول، وبقية رجاله ثقات، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٧/ ٢٠٦): إسناده صحيح.
(٧) رواه أحمد (٢/ ١٣٢) (٦١٦٥). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٥٦): رواه كله أحمد بإسنادين في أحدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط، وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وضعفه مكحول، وبقية رجاله ثقات، وضعف إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (٥/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>