للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: كتابة ما قدر للإنسان وهو جنين في رحم أمه]

ورد في الأحاديث أن الله يرسل ملكاً للجنين في رحم أمه فيكتب رزقه وأجله وشقاءَه وسعادته، ففي (صحيحي البخاري ومسلم) عن عبدالله هو ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: ((إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)) (١). وفي (صحيح البخاري) عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وكل الله بالرحم ملكاً، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة. فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل، فيكتب كل ذلك في بطن أمه)) (٢). وروى الترمذي في (سننه) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله)). فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل أن يموت)) (٣). وروى مسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له بعمل أهل الجنة)) (٤). وعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)) (٥). ومما يحسن أن يساق في هذا الباب لما فيه من العبرة، قصة الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار، ففي (صحيح البخاري) عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى هذا. فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدِّ الناس على المشركين، حتى جُرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه، حتى خرج من بين كتفيه. فأقبل الرجل إلى الرسول مسرعاً: فقال: أشهد أنك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة. ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم)) (٦). الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٣٤


(١) رواه البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣).
(٢) رواه البخاري (٦٥٩٥).
(٣) رواه الترمذي (٢١٤٢). وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٤) رواه مسلم (٢٦٥١).
(٥) رواه مسلم (١١٢).
(٦) رواه البخاري (٦٦٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>