للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: بيان حال الآلهة التي تعبد دون الله في الدنيا والآخرة بصفة تقرر عدم استحقاقها للعبادة]

وهذا النوع من الأدلة يبين الله جل وعلا فيه أن ما دونه مخلوق مربوب له وأنهم لا يخلقون شيئاً ولا يملكون شيئاً، ومن كانت هذه صفته فإنه لا يستحق العبادة أبداً، ويبين الله تعالى عدم نفع ما يعبد من دونه من المخلوقات في الدنيا ولا في الآخرة، ليؤكد أنها لا تستحق العبادة، ويمكن حصر هذا النوع من الأدلة في ثلاثة مسائل:

المسألة الأولى: معرفة ما يعبد من دون الله من المخلوقات وبيان نقصها من جميع الوجوه.

المسألة الثانية: تعجيز المسئولين من دون الله.

المسألة الثالثة: الإخبار عن التعادي الحاصل بعد البعث.

المسألة الأولى: معرفة ما يعبد من دون الله من المخلوقات وبيان نقصها من جميع الوجوه (١):

قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [الفرقان: ٣].

ففي هذه الآية تقريع للمشركين بعبادتهم ما دون الله وتنبيه لهم على موضع خطأ فعلهم ببيان أن آلهتهم التي يعبدونها لا تخلق شيئاً بل هي مخلوقة ومع ذلك فهي لا تملك دفع ضر عن نفسها ولا جلب منفعة إليها ولا تملك إماتة ولا إحياء ولا بعثاً – فهذه هي صفتها فهي لا تستحق العبادة (٢).

وقد ذكر الله تعالى هذه الآيات بعد قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان: ١ - ٢ [.]

قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فأفردوا أيها الناس لربكم الذي نزل الفرقان على عبده محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألوهة وأخلصوا له العبادة دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجن والإنس، فإن كل ذلك خلقه وفي ملكه، فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو ملك جميع ذلك) (٣).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ [الروم: ٤٠] قال: ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو: لا، أي: ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل من ذلك المذكور من الخلق والرزق والإماتة والإحياء، فلما تعين اعترافهم وبخهم منكراً عليهم بقوله: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤) اهـ.

ومن الآيات التي تبين ضعف ما يعبد من دون الله وأنه لا يخلق شيئاً فلا يستحق أن يعبد قوله تعالى: قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [يونس: ٣١].

ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: ٧٣ - ٧٤].


(١) انظر: ((القواعد الحسان)) (ص: ١٧، ١٩٤).
(٢) انظر: ((تفسير الطبري)) (١٩/ ٢٣٧).
(٣) ((تفسير الطبري)) (١٩/ ٢٣٦).
(٤) ((أضواء البيان)) (٣/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>